من هي تاكايتشي؟ أول امرأة تتولى رئاسة وزراء اليابان
من هي تاكايتشي؟ أول امرأة تتولى رئاسة وزراء اليابان

في لحظةٍ وُصفت بالتاريخية والمحمّلة بالرموز، اختار البرلمان الياباني، الثلاثاء، المحافظة الصلبة ساناي تاكايتشي لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في بلاد الشمس المشرقة، منهيةً بذلك عقودًا من الهيمنة الذكورية على رأس السلطة التنفيذية.
تاكايتشي، التي طالما قدّمت نفسها كتلميذة فكرية لمارغريت تاتشر، تصل إلى القمة في ظرفٍ سياسي مضطرب، وتضع أمامها مهمة شاقة: موازنة بين أحلامها الاقتصادية الجريئة، ومخاوف المستثمرين، وتحدياتٍ إقليمية تتصدرها الصين والولايات المتحدة.
طريق صعب وتحديات اقتصادية
لم يكن الطريق إلى رئاسة الوزراء مفروشةً بالورود أمام ساناي تاكايتشي (64 عامًا)، بل خاضت سباقًا انتخابيًا حامي الوطيس داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، وسط منافسة شرسة من وجوه سياسية ذكورية.
وبعد فوزها في الجولة الثانية على كويزومي شينجيرو، خسرت حليفها التاريخي في الائتلاف الحاكم، الذي قرر الانسحاب من الشراكة الممتدة منذ أكثر من ربع قرن، ما جعلها في مواجهة مرحلة سياسية غير مضمونة التحالفات.
ويرى مراقبون، أن أولى التحديات التي تنتظرها تتمثل في التعامل مع ملفات الاقتصاد المتعثّر، حيث تعهدت بإطلاق خطة إنفاق واسعة النطاق لدفع النمو، رغم تحذيرات الخبراء من تفاقم الدَّين العام الياباني، الذي يُعدّ من الأعلى عالميًا.
لكن تاكايتشي، التي تُعرف بميلها إلى "التحفيز المالي"، لا تُخفي إعجابها بنهج رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، وتؤكد أن "آبينوميكس" سيظل حجر الزاوية في سياساتها الاقتصادية، مع نيتها تعزيز سلطة الحكومة على بنك اليابان في رسم السياسة النقدية.
لا يقتصر جدول أعمالها على الشؤون الداخلية فحسب، إذ تستعد خلال أيام لاستقبال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أول اختبار دبلوماسي لها على الساحة الدولية. ويُتوقع أن تركز مباحثاتهما على مستقبل التعاون الأمني في آسيا، في ظل تصاعد التوتر بين طوكيو وبكين.
وقد عبّرت تاكايتشي مرارًا عن رغبتها في إقامة "تحالف شبه أمني" مع تايوان، ما يثير قلق الصين التي تعتبر الجزيرة جزءًا من أراضيها.
من هي تاكايتشي؟
تاكايتشي ليست غريبة عن الأضواء، فهي سياسية ذات حضور قوي وسيرة غنية بالمحطات المتناقضة: من مقدمة برامج في تلفزيون "أساهي"، إلى أول مقعد برلماني فازت به عام 1993، وصولًا إلى دخولها مجلس الوزراء عام 2006 في حكومة شينزو آبي. وتوالت بعدها مناصبها الوزارية في الشؤون الداخلية والاتصالات، ثم الأمن الاقتصادي، حتى رسّخت حضورها كوجه نسوي محافظ في الحياة السياسية اليابانية.
ورغم خلفيتها المحافظة، لا تخلو شخصيتها من مفارقات لافتة؛ فهي كانت في شبابها عازفة "درامز" في فرقة لموسيقى "الهيفي ميتال"، وما تزال تزور بانتظام ضريح "ياسوكوني" المثير للجدل، حيث تُخلّد ذكرى قتلى الحرب اليابانيين، بمن فيهم من أُدينوا بجرائم حرب.
كما تشتهر بتسريحة شعر مميزة ابتكرها مصففها السابق لتجسيد قربها من الناس، وهي تسريحة باتت تُعرف في اليابان باسم "قَصّة ساناي".
وفي الوقت الذي وعدت فيه بزيادة تمثيل النساء في حكومتها، تُظهر استطلاعات الرأي أن تاكايتشي تحظى بتأييد أكبر بين الرجال أكثر من النساء، وهو ما يعكس الجدل حول شخصيتها ومواقفها القومية الصلبة.
ومع ذلك، يرى أنصارها أنها تجسّد روح المثابرة والانضباط التي ميّزت حقبة تاتشر البريطانية، وأنها قادرة على "تحطيم السقف الزجاجي" الذي طالما أعاق صعود النساء في اليابان.
محطات بارزة في مسيرتها
بدأت ساناي تاكايتشي مسيرتها الأكاديمية بتخرجها عام 1984 في جامعة كوبي حاصلةً على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، قبل أن تخوض تجربة دولية مبكرة عام 1986 ضمن برنامج تبادل مع الكونغرس الأميركي، ما أتاح لها الاطلاع على آليات العمل السياسي في واشنطن.
بعد ثلاث سنوات، انتقلت إلى مجال الإعلام حيث عملت مقدمة برامج في تلفزيون "أساهي" التجاري عام 1989، لتصقل مهاراتها في التواصل الجماهيري، وفي عام 1993 دخلت معترك السياسة للمرة الأولى بفوزها بمقعد في مجلس النواب كمرشحة مستقلة، لتلتحق لاحقًا بالحزب الليبرالي الديمقراطي عام 1996، وتبدأ مسارها داخل أروقة السلطة.
في عام 2006، نالت ثقة رئيس الوزراء شينزو آبي الذي عيّنها وزيرةً في حكومته، قبل أن تتولى لاحقًا حقيبة الشؤون الداخلية والاتصالات في فترتين متتاليتين عامي 2014 و2019، لتُرسخ مكانتها كإحدى أبرز الشخصيات النسائية في المشهد السياسي الياباني.
أُسند إليها منصب وزيرة الدولة للأمن الاقتصادي، في عام 2022، لتخوض بعد ذلك أولى تجاربها الجدية في قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي عام 2024، حيث خسرت أمام إيشيبا شيجيرو، لكنها عادت بقوة في العام التالي، لتحقق فوزًا تاريخيًا عام 2025 وتصبح أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في اليابان.
وبين ماضيها كعازفة "هيفي ميتال" وحاضرها كزعيمة سياسية تتشبث بمبادئها، تقف ساناي تاكايتشي اليوم على عتبة تاريخٍ جديد لليابان، مزيجٍ من الحزم الاقتصادي والطموح القومي، تحت أنظار العالم الذي يترقب كيف ستقود "تاتشر اليابان" بلادها في مرحلةٍ دقيقة من التحولات.