إيران تناور بالملف النووي لتطويق أزمات الداخل
إيران تناور بالملف النووي لتطويق أزمات الداخل

بينما تتجه الأنظار مجددًا إلى العاصمة العمانية مسقط، حيث تبدأ السبت جولة جديدة من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، تبدو طهران وكأنها تحرك أوراقها بتأني لتأجيل انفجار أزماتها الداخلية المتصاعدة أكثر من سعيها للوصول إلى اتفاق فعلي.
بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست في 25 أبريل، لم تحسم إدارة الرئيس دونالد ترامب شروطها الأساسية لاتفاق محتمل، ما يترك المجال مفتوحًا أمام طهران لمواصلة استراتيجيتها القائمة على المماطلة وكسب الوقت.
في المقابل، يكشف الأداء الإيراني في الملفات التفاوضية عن معادلة دقيقة، بقاء النظام أولًا، ولو كان الثمن إطالة أمد التوترات الإقليمية والدولية.
مفاوضات أم ممرات للهروب؟
يدخل الفريق الإيراني إلى طاولة المفاوضات بجعبة مثقلة بالتناقضات، فمن جهة، يظهر وزير الخارجية عباس عراقجي نشاطًا ملحوظًا في اللقاءات الفنية مع مبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف، بينما من جهة أخرى، يرسل المرشد الأعلى علي خامنئي رسائل مضادة، يصف فيها التفاوض المباشر مع واشنطن بأنه "انتحار سياسي"، مع إجازة المحادثات غير المباشرة كتكتيك مرحلي.
الازدواج في المواقف يفسره المراقبون بأنه محاولة محسوبة لربح الوقت، طهران تراهن على تمديد أمد التفاوض، مراهنة على تغير المناخ الدولي أو تبدل المزاج الأميركي مع مرور الوقت، دون تقديم تنازلات جوهرية في برنامجها النووي أو في ملفات دعمها للميليشيات الإقليمية.
الداخل المشتعل.. الهاجس الأكبر
بعيدًا عن قاعات التفاوض الهادئة في مسقط، تواجه إيران سلسلة متواصلة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد بتقويض شرعية النظام من الداخل.
الاحتجاجات لم تعد محصورة في طبقات اجتماعية محددة، بل شملت شرائح واسعة، من الفلاحين في شرق أصفهان الذين حوّلوا محاصيلهم إلى علف للمواشي بسبب الجفاف، إلى السائقين الغاضبين في كرمانشاه الذين صرخوا،"لم يعد هناك شيء في جيوبنا لتأخذوه!"، وصولًا إلى ضحايا قضايا الاحتيال المالي مثل تجمع المتضررين من شركة "يونيك فاينانس" أمام محكمة طهران.
الرسالة القادمة من الشارع الإيراني باتت أكثر وضوحًا "الشعب لا ينتظر إصلاحات سطحية، بل يطالب بتغيير جذري في طبيعة الحكم وطريقة إدارة الدولة".
مفعلات النووي داخليًا وخارجيًا
تخزين كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بدرجات تقترب من المستوى العسكري لم يكن فقط رسالة للغرب، بل هو أيضًا محاولة لبث شعور بالقوة داخليًا، في محاولة لصرف الأنظار عن إخفاقات النظام في معالجة الفساد، البطالة، والأزمات البيئية المتفاقمة.
غير أن هذه السياسة محفوفة بالمخاطر، فكلما طال أمد التفاوض دون نتائج ملموسة، ازداد تآكل ثقة المجتمع الإيراني بقدرة نظامه على تأمين مستقبله، خصوصًا أن الأزمات المعيشية باتت ترتبط مباشرة بإخفاقات السياسة الخارجية، في نظر قطاعات متزايدة من الشعب.
وتدرك طهران أن استمرار الضغط الشعبي الداخلي، بالتوازي مع استمرار العقوبات الغربية، يضعها بين فكي كماشة يصعب الفكاك منهما، لذا، تسعى القيادة الإيرانية إلى خلق فسحة زمنية جديدة عبر المفاوضات، لعلها تخفف من الأعباء الاقتصادية، وتعيد ضبط الإيقاع الداخلي قبل أن يتحول الغضب الشعبي إلى انفجار لا يمكن السيطرة عليه.