الحدود اللبنانية الإسرائيلية تشتعل مجددًا.. ما وراء العملية البرية في جبل دوف؟
الحدود اللبنانية الإسرائيلية تشتعل مجددًا.. ما وراء العملية البرية في جبل دوف؟

في خطوةٍ تُعيد إشعال التوتر المشتعل أصلًا على الجبهة الشمالية، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ عملية برية داخل الأراضي اللبنانية، هي الأولى من نوعها منذ أشهر، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد العسكري بين تل أبيب وحزب الله، العملية التي وُصفت بأنها "محدودة وموجهة"، جاءت في وقتٍ تتزايد فيه التحذيرات الأميركية من انزلاق لبنان إلى مواجهة شاملة قد تُعيد رسم موازين القوة في المنطقة، فبينما تؤكد إسرائيل أن هدفها هو "منع تموضع حزب الله" في مناطق حدودية حساسة، يرى مراقبون أن التحرك العسكري يحمل أبعادًا سياسية تتجاوز الجغرافيا اللبنانية، ويعكس رسائل ردع موجهة إلى طهران ودمشق على حد سواء، ومع تعثر الوساطات الأميركية وتزايد الضربات الجوية المتبادلة، يبدو أن الحدود اللبنانية الإسرائيلية باتت على شفا مرحلة أكثر اضطرابًا قد تتجاوز حسابات الطرفين.
عملية برية إسرائيلية
أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح الثلاثاء، أنه نفذ عملية برية محدودة داخل الأراضي اللبنانية ليل الأحد، استهدفت ما وصفها بـ"مواقع عسكرية تابعة لحزب الله" في منطقة جبل دوف الحدودية.
وجاء في بيان المتحدث باسم الجيش، أن وحدات من الاحتياط ومهندسي القتال من اللواء الإقليمي 810 نفذوا العملية بدقة "لمنع حزب الله من استخدام المنطقة كقاعدة تموضع مستقبلية".
وأكد البيان، أن القوات الإسرائيلية "عادت إلى مواقعها داخل إسرائيل بعد إتمام المهمة دون خسائر"، مشيرًا إلى أن العملية تمّت بإسناد جوي ورقابة استخباراتية دقيقة.
ولم يصدر عن حزب الله أي تعليق رسمي فوري، في حين ذكرت مصادر لبنانية أن الانفجارات التي سُمعت فجر الإثنين في القطاع الشرقي من الجنوب كانت "نتيجة قصف مدفعي إسرائيلي متزامن مع توغل محدود".
عملية محدودة أم رسالة استراتيجية؟
تصف تل أبيب العملية بأنها "تكتيكية" وتهدف إلى تعزيز الردع على طول الخط الأزرق، غير أن التوقيت والسياق الإقليمي يوحيان بأنها تتجاوز البعد الميداني إلى رسائل سياسية وأمنية أوسع.
فالهجوم يأتي بعد سلسلة من الغارات الإسرائيلية المكثفة في الأسابيع الماضية، استهدفت مواقع داخل الجنوب والبقاع، وسط حديث في الأوساط الأمنية عن "تغيير قواعد الاشتباك" مع حزب الله.
ويرى خبراء، أن هذه العملية تمثل اختبارًا لردّ الحزب الذي يوازن منذ أشهر بين التصعيد المحدود والحفاظ على خطوط الاشتباك دون الانزلاق إلى حرب شاملة، خصوصًا في ظل الضغوط الداخلية اللبنانية والانهاك الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد.
من جانبه، قال المبعوث الأميركي إلى سوريا وتركيا، توم براك، في منشور مطول عبر منصة "إكس": إن إسرائيل قد تتحرك منفردة "إذا استمرت بيروت في التردد بشأن نزع سلاح حزب الله"، محذرًا من أن العواقب ستكون "خطيرة للغاية".
وأضاف: أن الجناح العسكري للحزب "سيجد نفسه في مواجهة إسرائيل في لحظة تُظهر فيها الأخيرة أقصى درجات القوة، بينما يمر حزب الله بحالة ضعف غير مسبوقة نتيجة الاستنزاف الطويل في الجنوب والضغط الإيراني المالي المتراجع".
واشنطن تُلوّح وتراقب
تأتي تصريحات براك في سياق مواقف أميركية متزايدة تميل إلى تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية كبح جماح حزب الله، في وقت تتعثر فيه المبادرات التي كانت تهدف إلى إعادة إحياء مسار المفاوضات غير المباشرة بين بيروت وتل أبيب برعاية واشنطن.
وتشير تقارير دبلوماسية، أن الإدارة الأميركية فقدت جزءًا من نفوذها على الأطراف اللبنانية، خصوصًا بعد أن أُحبطت عدة مقترحات لإقامة منطقة عازلة خالية من السلاح على طول الحدود.
ويعتبر مراقبون، أن التوغل الإسرائيلي الأخير ليس سوى مقدمة لمرحلة جديدة من الضغط الميداني، تهدف إلى دفع الحزب نحو التراجع التكتيكي وربما فتح الباب لتسوية مؤقتة تضمن هدوء الشمال الإسرائيلي. إلا أن خطر الانزلاق إلى حرب واسعة يبقى قائمًا، خاصة في ظل غياب قنوات اتصال فاعلة بين الجانبين.
الحدود الملتهبة بين جبل دوف ومزارع شبعا
منطقة جبل دوف، المعروفة أيضًا بمزارع شبعا، كانت دائمًا مسرحًا للتوترات بين الجانبين، حيث تعتبرها بيروت أرضًا لبنانية محتلة، فيما تصر إسرائيل على أنها جزء من الجولان السوري الذي ضمّته عام 1981. وقد شهدت المنطقة منذ مطلع العام تصاعدًا في عمليات القصف المتبادل، وسط تزايد النشاط الاستخباراتي لكلا الطرفين.
ويقول محللون: إن العملية البرية الأخيرة تعكس استعداد إسرائيل لخوض مواجهة "متدحرجة" بدلاً من حرب شاملة، لكنها في الوقت ذاته تُقوّض الخطوط الحمراء التي حافظت على توازن هشّ منذ حرب 2006. فكل تحرك بري، مهما كان محدودًا، يُعتبر خرقًا لسيادة لبنان ولتفاهمات ضمنية كانت تضبط الإيقاع بين الطرفين.
لبنان عالق
من جانبه، يرى المحلل السياسي اللبناني مصطفى علوش، أن العملية الإسرائيلية الأخيرة داخل الأراضي اللبنانية "تتجاوز إطار الرد العسكري التقليدي إلى مستوى الرسائل الاستراتيجية المركبة"، معتبرًا أن تل أبيب أرادت من خلالها اختبار قدرة حزب الله على ضبط النفس من جهة، وقياس ردّ الفعل الإيراني من جهة أخرى.
ويقول علوش -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-: إن اختيار منطقة جبل دوف ليس عشوائيًا، فهي تمثل "نقطة رمزية عالية الحساسية" نظرًا لطبيعتها الجغرافية المتداخلة بين لبنان وسوريا وإسرائيل، ما يمنح إسرائيل هامشًا للمناورة القانونية والسياسية في تبرير تحركاتها.
ويضيف: أن التوقيت يعكس أيضًا قناعة إسرائيلية بأن حزب الله يمرّ بمرحلة إنهاك، سواء نتيجة الضغط العسكري المستمر أو الأزمة المالية التي تضرب بيئته الحاضنة، ويشير إلى أن "إسرائيل تحاول استغلال هذه اللحظة لفرض معادلة ردع جديدة، تُعيد من خلالها ترسيم حدود النفوذ دون الحاجة إلى حرب شاملة".
لكن علوش يحذر -في الوقت نفسه- من "الرهان المفرط على ضعف الحزب"، مؤكدًا أن أي توسع في العمليات البرية قد يدفع الأمور إلى مواجهة مفتوحة، خصوصًا إذا شعر حزب الله أن صورته الردعية تتآكل أمام جمهوره.
ويختم بالقول: إن لبنان اليوم "عالق بين نارين، مغامرات إسرائيل الميدانية وحسابات حزب الله الإقليمية"، في غياب رؤية وطنية قادرة على لجم التصعيد.