سباق على قيادة الجيش غرب ليبيا.. الدبيبة والمنفي أمام اختبار اختيار خليفة "الحداد"
سباق على قيادة الجيش غرب ليبيا.. الدبيبة والمنفي أمام اختبار اختيار خليفة "الحداد"
لم يكد صدى حادث تحطم الطائرة الذي أودى بحياة رئيس الأركان الليبي الفريق أول محمد الحداد يخفت، حتى وجدت السلطة التنفيذية في غرب ليبيا نفسها أمام واحدة من أكثر اللحظات حساسية في المشهد العسكري والسياسي، فرحيل الرجل الذي كان يمثل ركيزة أساسية في مشروع توحيد المؤسسة العسكرية، فتح باب الأسئلة حول هوية خليفته، وتعقيدات التوازن داخل بنية القوة غرب البلاد، بين المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة الوطنية» تدور مشاورات مكثفة، تحاول الجمع بين مقتضيات الاستقرار العسكري ومتطلبات الحسابات السياسية، وفي الوقت الذي جرى فيه تكليف الفريق صلاح النمروش بمهام رئاسة الأركان مؤقتًا، أخذت دوائر الترشيح تتوسع، فيما تتجه الأنظار إلى أنقرة حيث تُجرى التحقيقات في ملابسات الحادث المأساوي، ليبيا اليوم لا تعيش فقط حالة حزن عامة، بل تقف أمام مفترق طرق يتعلق بمستقبل قيادتها العسكرية في غرب البلاد، وتأثير ذلك على توازنات أمنية شديدة الحساسية.
ملء الفراغ
بدأت دوائر الحكم في غرب ليبيا تحركات عاجلة عقب وفاة الفريق أول محمد الحداد، في محاولة لملء الفراغ الذي تركه رحيله المفاجئ، خاصة أن موقع رئاسة الأركان العامة للجيش في غرب البلاد يُعد أحد أهم المناصب في الهيكل العسكري للدولة.
وكشفت مصادر حكومية في طرابلس، أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة دخلا في مشاورات مكثفة للتوافق على شخصية جديدة تتولى قيادة هيئة الأركان خلفًا للحداد، في خطوة يُنظر إليها باعتبارها اختبارًا سياسيًا وأمنيًا بالغ الحساسية.
وبينما تستمر هذه المشاورات، أصدر المنفي قرارًا بتكليف الفريق صلاح النمروش، معاون رئيس الأركان، بإدارة المنصب بصفة مؤقتة، وهو إجراء يهدف إلى منع حدوث أي ارتباك داخل المؤسسة العسكرية، ريثما يتم اختيار رئيس دائم للأركان. إلا أن تكليف النمروش مؤقتًا لا يعني بالضرورة تثبيته، إذ تشير مصادر سياسية إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد إعادة ترتيب في هيكل القيادة العسكرية، وربما إعادة توزيع مراكز الثقل داخل الجيش غرب البلاد.
المرحلة الانتقالية
وتكشف المعلومات المتداولة، أن قائمة المرشحين المحتملين لخلافة الحداد تضم أسماء بارزة ذات حضور وتأثير داخل المؤسسة العسكرية، من بينها الفريق صلاح النمروش نفسه، الذي يمثل الخيار الاستمراري من داخل الدائرة القيادية الحالية، إضافة إلى اللواء أسامة الجويلي، قائد المنطقة العسكرية بالجبل الغربي والاسم العسكري المعروف بثقله الميداني والسياسي، وكذلك اللواء محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، الذي يحظى بحضور مؤسسي واضح داخل الجيش.
ووفق التصريحات الرسمية، فإن المرحلة الانتقالية الحالية لن تطول كثيرًا، إذ أكد المنفي أن النمروش يتولى مهامه بشكل مؤقت فقط، فيما تعمل السلطات على حسم تسمية الرئيس الجديد خلال فترة قصيرة لتجنب أي فراغ قيادي.
ويُدرك صناع القرار في طرابلس أن اختيار الشخصية المناسبة لا يقتصر على بعدها المهني، بل يتداخل معه البعد السياسي والتوازنات داخل غرب ليبيا، وربما علاقات القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف الليبي.
حزن وحداد
في موازاة ذلك، عمّ الحزن الليبيين شرقًا وغربًا على رحيل الحداد ورفاقه، وعلى الرغم من الانقسام المزمن بين المؤسسات في شطري البلاد، انعكس هذا الحدث على شكل لحظة نادرة من الإجماع الوطني، حيث أعلنت كل من حكومة «الوحدة الوطنية» في الغرب والحكومة المنبثقة من مجلس النواب في الشرق الحداد الرسمي ثلاثة أيام، مع تنكيس الأعلام وتعليق المظاهر الاحتفالية.
ولم يقتصر التأثر على الداخل الليبي، إذ صدرت مواقف رسمية متعاطفة من مختلف الأطراف فقدّم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تعازيه ووصف الحادث بالخسارة الكبيرة للمؤسسة العسكرية، فيما نعى المشير خليفة حفتر الحداد بكلمات لافتة، مؤكدًا أنه كان من رجالات المؤسسة العسكرية الذين أدوا واجبهم بكفاءة ومسؤولية.
هذه البيانات حملت بعدًا رمزيًا مهمًا، خاصة أن الحداد كان أحد وجوه مسار توحيد الجيش من خلال اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، ما جعل رحيله يلامس واحدة من أهم قضايا ليبيا الراهنة.
تحقيقات رسمية
في الجانب العملي، تزامنت المشاورات العسكرية والسياسية مع تحركات ميدانية متعلقة بالتحقيقات، إذ وصل وفد ليبي رسمي إلى منطقة هايمانا جنوب أنقرة، حيث تحطمت الطائرة، لمتابعة مجريات التحقيق إلى جانب السلطات التركية.
وأكدت السفارة الليبية في تركيا وجود قناة اتصال مباشرة مع الجهات التركية المعنية لضمان تسريع الإجراءات، فيما أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا وصول وفد ليبي يضم أفرادًا من ذوي الضحايا وخبراء معنيين بالتحقيق، كما أُعلن العثور على الصندوق الأسود للطائرة، في خطوة ستسهم في كشف ملابسات الحادث.
الرئيسية الدولية كانت حاضرة أيضًا، فقد عبرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن “حزن عميق” لوفاة الحداد، مؤكدة دوره في الدفاع عن مسار السلام وتوحيد المؤسسات العسكرية.
كما أشارت إلى الجهد البارز الذي قدمه خلال اللجنة العسكرية المشتركة وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020.
وصدرت بيانات متضامنة من سفراء الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الذين أشادوا بخدمة الحداد لبلاده وما مثّله من رمزية لمسار الاستقرار.

العرب مباشر
الكلمات