محللون: انفجار الصراع بين إسرائيل وإيران سيغيّر شكل التحالفات في الشرق الأوسط
محللون: انفجار الصراع بين إسرائيل وإيران سيغيّر شكل التحالفات في الشرق الأوسط

تشهد الساحة الإقليمية والدولية تحركات دبلوماسية مكثفة لاحتواء التصعيد المتسارع بين إسرائيل وإيران، في ظل مخاوف من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة شاملة قد تهدد استقرار الشرق الأوسط.
وتتواصل المشاورات السياسية بين عدد من العواصم العربية والدولية بهدف التوصل إلى تهدئة عاجلة، بالتزامن مع ضغوط على واشنطن لتحديد موقفها من التصعيد الحالي.
وأكدت مصادر دبلوماسية عربية، أن مصر والسعودية وقطر وسلطنة عمان تقود جهودًا حثيثة لإعادة قنوات الاتصال بين طهران وتل أبيب، بمشاركة فاعلة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وذكرت المصادر، أن هذه الجهود تتركز على التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح المجال أمام وساطة إقليمية لبحث أسباب التوتر واحتوائها.
في السياق ذاته، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، اتصالات مع نظرائه في إيران والولايات المتحدة، شدد خلالها على "ضرورة تغليب الحلول السياسية على الخيار العسكري"، محذرًا من أن "المنطقة لا تتحمل مزيدًا من التصعيد الذي قد يجر أطرافًا إقليمية ودولية إلى مواجهة مباشرة".
من جانبه، أعلن قصر الإليزيه، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقدم بمقترح لوقف إطلاق النار يشمل التزامًا إسرائيليًا بوقف الضربات الجوية مقابل ضمانات أمنية دولية.
كما دعا ماكرون طهران إلى "ضبط النفس وعدم الانجرار إلى ردود أفعال قد تؤدي إلى عواقب لا تُحمد عقباها".
وفي واشنطن، تباينت مواقف الإدارة الأمريكية حول آلية التعامل مع التطورات. وبينما ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات من مقر حملته الانتخابية، إلى أن "الخيارات كلها مطروحة"، أعرب عدد من أعضاء الكونغرس عن قلقهم من "انزلاق غير محسوب في حرب مفتوحة دون تفويض تشريعي".
وأكدت الخارجية الأمريكية، أن واشنطن "تراقب الوضع عن كثب، وتنسق مع الحلفاء لضمان استقرار المنطقة".
من جهتها، أبدت طهران استعدادها لـ"دراسة أي مبادرة توقف العدوان الإسرائيلي"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية عن مسؤول بالخارجية، مشيرًا أن إيران "لا تسعى إلى حرب شاملة، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي استهداف مباشر لأراضيها أو لمصالحها الإقليمية".
وتسود حالة من الترقب في العواصم العالمية، وسط دعوات أممية متكررة لوقف التصعيد والعودة إلى المسار التفاوضي، خاصة بعد تصاعد وتيرة الضربات المتبادلة بين إسرائيل ومجموعات حليفة لإيران في سوريا ولبنان، وتهديدات متواصلة من الحرس الثوري الإيراني بالرد على "أي استفزاز جديد".
وقال الدكتور طارق البرديسي، أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي: إن التحركات الدبلوماسية الجارية من عدة أطراف عربية ودولية تمثل "الفرصة الأخيرة لتفادي اندلاع مواجهة إقليمية شاملة" بين إسرائيل وإيران، مشيرًا أن أي فشل في احتواء الأزمة قد يؤدي إلى اضطراب أمني واسع يمتد إلى الخليج والبحر الأحمر وشرق المتوسط.
وأوضح البرديسي، في تصريحات للعرب مباشر، أن "الوساطة التي تقودها دول مثل مصر والسعودية وقطر، إضافة إلى جهود فرنسا والأمم المتحدة، تُعد محورية في هذه اللحظة الحساسة"، مضيفًا أن المنطقة لم تعد تتحمل سيناريو حرب جديدة، خصوصًا في ظل اشتعال بؤر توتر موازية في غزة ولبنان واليمن.
وأشار أن الموقف الأمريكي لا يزال غير واضح، إذ تحاول واشنطن موازنة دعمها لإسرائيل مع حرصها على عدم الانخراط في مواجهة مباشرة مع إيران، وهو ما يفسر التصريحات المتباينة بين مسؤولي الإدارة الأمريكية، حسب تعبيره.
وأكد البرديسي، أن "إيران، رغم تصعيدها، تُظهر استعدادًا لاحتواء الموقف، خصوصًا إذا تم تقديم ضمانات دولية بوقف الاستفزازات الإسرائيلية"، مضيفًا أن نجاح المبادرة الفرنسية أو الوساطة العمانية قد يعيد الأطراف إلى طاولة التفاوض، خصوصًا بشأن الملف النووي.
وشدد على أن المجتمع الدولي مطالب بالتحرك السريع، لأن الوقت لم يعد في صالح أحد، وأي خطأ في الحسابات قد يشعل صراعًا أوسع تتجاوز تداعياته حدود الشرق الأوسط.
فيما قال الدكتور عمرو الديب، الباحث في العلاقات الدولية: إن استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران قد يؤدي إلى "إعادة تشكيل موازين القوى والتحالفات في الشرق الأوسط"، مؤكدًا أن المواجهة الحالية تتجاوز البُعد العسكري وتمتد إلى أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية قد تُغيّر معالم المشهد الإقليمي.
وأوضح الديب لـ"العرب مباشر": أن "التحركات الدبلوماسية العربية، خاصة من جانب مصر والسعودية وقطر، تهدف إلى نزع فتيل الأزمة قبل خروجها عن السيطرة"، مشيرًا أن "الوساطات الجارية تحاول استغلال نافذة زمنية ضيقة قبل أن تنفجر الأوضاع بشكل لا يمكن احتواؤه".
وأضاف: أن إسرائيل تسعى من خلال تصعيدها الأخير إلى توجيه رسائل مزدوجة، الأولى إلى الداخل الإسرائيلي لتعزيز تماسك الحكومة، والثانية إلى إيران مفادها أن تل أبيب مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى لوقف تمدد طهران الإقليمي.
وفي المقابل، يرى الديب أن إيران ترد بحذر محسوب، مع حرصها على إظهار قدرتها على الردع دون التورط في مواجهة شاملة، لافتًا أن طهران تركز حاليًا على تفعيل أدواتها غير المباشرة في المنطقة مثل حزب الله والحوثيين والمليشيات في سوريا والعراق.
واعتبر أن غياب موقف أمريكي واضح يزيد من تعقيد المشهد، خاصة في ظل التجاذبات الداخلية في واشنطن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، مما يفتح الباب أمام إسرائيل للمناورة الميدانية دون قيود حقيقية.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن "المنطقة تقف على حافة تحول استراتيجي كبير، وأن نتائج هذا الصراع – سواء تم احتواؤه أو خرج عن السيطرة – ستعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات في الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة".