حرب الـ12 يومًا.. فاتورة خسائر ضخمة قصمت ظهر البنية التحتية الإيرانية
حرب الـ12 يومًا.. فاتورة خسائر ضخمة قصمت ظهر البنية التحتية الإيرانية

انتهت الحرب، لكن الجحيم لم يغادر إيران، فبعد 12 يومًا من القصف المتبادل والنزيف العسكري، استيقظت طهران على واقع اقتصادي مأساوي يشبه آثار زلزالٍ ضرب بنيتها التحتية واقتصادها الهش، لم تكد صواريخ تل أبيب تنتهي من مهمتها في تدمير الأبراج السكنية ومحطات الطاقة، حتى بدأت فواتير الإعمار تتكدّس على طاولة القيادة الإيرانية، مع تقديرات أولية تشير إلى خسائر قد تتجاوز نصف تريليون دولار، فما تفاصيل الكارثة الاقتصادية التي خلفتها الحرب الأخيرة، من تدمير منشآت حساسة إلى عزل رقمي خانق بفعل قطع الإنترنت، وسط مطالبات إيرانية بالتعويض، والمواقف الدولية منها.
*تكلفة هائلة لإعادة الإعمار*
منذ إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في الرابع والعشرين من يونيو، بدأت تتضح ملامح الخسائر الهائلة التي خلفتها "حرب الاثني عشر يومًا"، ليس فقط في الأرواح والمنشآت، بل في عمق الاقتصاد الإيراني الذي كان يرزح أصلًا تحت عقوبات خانقة وأزمات مالية متراكمة.
تشير تقديرات الضابط والباحث الإسرائيلي المتقاعد، موشه العاد، إلى أن تكلفة إعادة إعمار إيران قد تتجاوز 500 مليار دولار، وهو رقم يعادل تقريبًا نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ووفقًا لـ"موشه العاد" فإن هذه التكاليف تشمل إعادة تأهيل الأبراج السكنية، ومحطات الكهرباء، والمنشآت النووية التي دمرتها الضربات الإسرائيلية، بالإضافة إلى خسائر القطاع الخاص جرّاء قطع الإنترنت، حسب تصريحاته لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
وأكد، أن في الهجمات الجوية التي شنتها إسرائيل خلال الحرب، تم تدمير ما لا يقل عن 120 برجًا سكنيًا في طهران وأصفهان ومناطق أخرى، إضافة إلى منشآت نووية حساسة، على رأسها مفاعل فوردو تحت الأرض، ومنشآت نطنز وأصفهان.
كما استُهدفت محطات توليد الكهرباء؛ ما تسبب بانقطاع طويل في التيار الكهربائي، وتعطيل شبكات التوزيع على مستوى البلاد.
وفي حين كانت إيران تخطط قبل الحرب لتخصيص ما يزيد عن 500 مليار دولار لتطوير البنية التحتية القديمة وشبكات الطرق والموانئ، فإنها تجد نفسها اليوم مضطرة لإعادة تخصيص هذه الميزانية لإصلاح ما دمرته الحرب.
*الخسائر الرقمية والاقتصاد الخاص*
لا تقتصر الأضرار على المنشآت المادية فحسب، بل امتدت إلى المجال الرقمي والاقتصادي، فقدّرت مصادر إيرانية مستقلة أن قطع الإنترنت، الذي فرضته السلطات جزئيًا لأسباب أمنية خلال الحرب، كبّد القطاع الخاص خسائر تجاوزت نصف مليار دولار. وتشمل هذه الخسائر توقف المعاملات المالية الإلكترونية، وتعطيل التجارة الإلكترونية، وخروج شركات تقنية ناشئة عن الخدمة تماماً.
وفي محاولة لتحويل دفة الخسارة نحو خصومها، أعلنت طهران عبر وزير خارجيتها، عباس عراقجي، أن الولايات المتحدة تتحمل جزءًا من مسؤولية الدمار، ويجب أن تدفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بإيران جراء تدخلها العسكري، وخصوصًا في قصف مواقع نووية داخل العمق الإيراني.
لكن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفضت هذه المطالبات بشكل قاطع، ووصفتها بأنها "غير واقعية وسخيفة"، ويبدو أن هذا الرفض سيُبقي إيران وحدها في مواجهة جبل الخسائر، في وقت لم تُبدِ أي من القوى الدولية أو حلفاء إيران استعدادًا لتقديم دعم مالي مباشر.
*نظرة مستقبلية قاتمة*
تواجه طهران الآن معضلة اقتصادية مزدوجة، إعادة الإعمار وسط انهيار اقتصادي داخلي، ومحدودية في الوصول إلى الموارد الأجنبية بفعل العقوبات الأميركية المتواصلة.
كما أن إعادة بناء المنشآت النووية قد تضعها مرة أخرى في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية، في وقت تحاول فيه إنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي الذي فقد فعاليته عملياً بعد الحرب.
ويرى مراقبون، أن إيران قد تتجه نحو تفعيل آليات التمويل غير التقليدية، كزيادة الضرائب، أو استغلال موارد صندوق التنمية الوطني، أو حتى طلب مساعدات من الحلفاء مثل روسيا والصين، رغم أن تجاوب هؤلاء ليس مضمونًا.
*اختبار حقيقي*
يُعدّ ما تمر به إيران اليوم أحد أخطر التحديات التي واجهتها منذ نهاية الحرب العراقية- الإيرانية، لا من حيث حجم الدمار المادي فحسب، بل بسبب التوقيت والظرف السياسي والاقتصادي المعقد.
فوفقًا للدكتور محمد محسن، الخبير في الشأن الإيراني، فإن الحرب الأخيرة كشفت هشاشة البنية التحتية الاستراتيجية لإيران، وأظهرت أن قدراتها على امتصاص الصدمات العسكرية محدودة عندما تترافق مع عزلة اقتصادية شديدة.
ويرى محسن في تصريحاته لـ"العرب مباشر"، أن تكلفة إعادة الإعمار لن تكون مجرد عبء مالي، بل اختبار حقيقي لقدرة النظام على الحفاظ على شرعيته الداخلية وسط تدهور مستوى المعيشة واتساع رقعة الفقر، كما يشير أن المجتمع الإيراني، الذي كان يعاني أصلًا من أزمة ثقة مع مؤسسات الدولة، قد لا يصبر طويلاً على تعهدات الوعود بالإعمار دون نتائج ملموسة.
أما على المستوى الدولي، فيؤكد محسن أن مطالبة طهران بتعويضات من واشنطن هي خطوة رمزية أكثر منها عملية، لأن الإدارة الأميركية لن تقدم على دفع أي مقابل، بل قد تستغل ما جرى لمزيد من الضغوط، وعليه.. فإن خيارات إيران محدودة، وربما تجد نفسها مضطرة لإعادة ترتيب أولوياتها الداخلية، حتى على حساب مشاريعها النووية والإقليمية.