قنابل أيديولوجية مؤجلة.. كيف تُجنّد جماعة الإخوان شباب أوروبا في الظل؟
قنابل أيديولوجية مؤجلة.. كيف تُجنّد جماعة الإخوان شباب أوروبا في الظل؟

بين جدران المساجد ومراكز الشباب في قلب أوروبا، تنسج جماعة الإخوان شبكة تأثير خفية، لا تستهدف المؤسسات فقط، بل العقول الناشئة، في ردهات الجامعات، وعلى منصات العمل المدني، تنشط منظمة "فيميسو" (FEMYSO) كمظلة شبابية عابرة للحدود، تحمل شعار التعددية وتُخفي خلفه مشروعًا إيديولوجيًا ممنهجًا.
التقرير الذي أصدرته هيئة حماية الدستور الألمانية لم يكن مفاجئًا بقدر ما كان كاشفًا، هناك استراتيجية منظمة تستهدف الشباب والمراهقين، تسعى للتأثير وتجنيد الأتباع باسم التمثيل الإسلامي، على امتداد القارة، من بروكسل إلى برلين، تتكرر الأسماء والمواقع والروابط، وترتسم خريطة أوسع من مجرد منظمة شبابية، نحو شبكة تجنيد إخوانية مترابطة، فما هي حقيقة فيميسو، وكيف أصبحت هذه المنظمة شريكًا في مشاريع أوروبية تموّل من دافعي الضرائب، بينما تتهم بأنها واجهة ناعمة لتنظيم إرهابي؟
*ذراع الإخوان الشبابية*
في مشهد يتكرر في العواصم الأوروبية، يبرز اسم "فيميسو" (FEMYSO) كمنصة تمثل الشباب المسلم في أوروبا، لكن خلف الشعارات التي تدعو إلى الحوار وحقوق الإنسان، تكشف الوثائق والتقارير الاستخباراتية عن وجه آخر للمنظمة، باعتبارها جزءًا من البنية التحتية لجماعة الإخوان المسلمين في الغرب.
"فيميسو"، التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، ليست مجرد تجمع طلابي، بل تمثل، بحسب هيئة حماية الدستور الألمانية، الواجهة الشبابية لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE)، الذراع التنظيمي الأوسع للإخوان في القارة.
المنظمة تأسست عام 1996، ومنذ ذلك الحين جمعت 31 فرعًا من 20 دولة أوروبية تحت عباءتها، وارتبطت بقيادات بارزة في الجماعة، وعلى رأسهم إبراهيم الزيات، أحد أعمدة شبكة الإخوان.
وتشير تقارير استخباراتية، أن "فيميسو" لا تعمل بمعزل عن شبكة المساجد والجمعيات الممولة والموجّهة من قبل التنظيم، بل تكمل دورها في الوصول إلى الفئات العمرية الأصغر سنًا، حيث يسهل التأثير والتوجيه.
ويتم تجنيد الكوادر الشابة تدريجيًا عبر أنشطة طلابية، ورش عمل، حملات توعية، ومؤتمرات تطرح خطابًا مزدوجًا: معتدل للخارج، وأيديولوجي للداخل.
*اختراق المؤسسات الأوروبية*
في عام 2021، فجر النائب في البرلمان الأوروبي نيكولاس فيست جدلاً واسعًا عندما تقدم بطلب إحاطة إلى المفوضية الأوروبية بشأن تمويل حملة "WE CAN4HR"، وهي مبادرة تهدف لمحاربة خطاب الكراهية، المفارقة أن أحد الشركاء المنفذين للحملة كانت "فيميسو"؛ ما أثار أسئلة حول معايير اختيار الشركاء، والتدقيق في خلفياتهم التنظيمية.
طلب الإحاطة استند إلى تقارير موثقة أظهرت علاقات "فيميسو" بجماعة الإخوان، مؤكدًا أن تمويلها من ميزانية الاتحاد الأوروبي، ضمن برنامج الحقوق والمساواة، يعد ثغرة خطيرة في منظومة الحوكمة الأوروبية.
وفي السياق نفسه، شنت فرنسا هجومًا علنيًا على المنظمة، حين وصف كليمان بون، وزير الدولة الفرنسي لشؤون أوروبا، "فيميسو" بأنها "دمية في يد تنظيم الإخوان"، عقب لقاء جمع مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساواة مع وفد من منظمات شبابية إسلامية بينها FEMYSO.
*شهادات وتحذيرات*
من جهته، وصف الباحث الأمريكي لورينزو فيدينو، المتخصص في تتبع الحركات الإسلامية في أوروبا، "فيميسو" بأنها امتداد طبيعي لتنظيم الإخوان، مؤكّدًا أن بنيتها التنظيمية تعكس المنهج الإخواني في الانتشار التدريجي، وتجنيد النخب الشابة وتدريبهم على الخطاب السياسي والدعوي.
وفي مقابلة مع مجلة "بوليتيكو"، قال فيدينو: إن "فيميسو هي الوريث غير الرسمي لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وهدفها الحقيقي ليس تمكين الشباب المسلم، بل تأطيره في مشروع أيديولوجي له أهداف سياسية بعيدة المدى".
*مستقبل التنظيم والتحدي الأوروبي*
في الوقت الذي تتجه فيه الدول الأوروبية نحو مزيد من التشدد في مراقبة تمويل الجمعيات الدينية وارتباطاتها الخارجية، تبرز "فيميسو" كاختبار حقيقي لقدرة الاتحاد الأوروبي على التمييز بين التمثيل المدني المشروع، والعمل التنظيمي المتخفّي.
ورغم انسحاب بعض المنظمات من عباءة FEMYSO، كما هو الحال مع منظمة الشباب المسلم في النمسا، إلا أن الوثائق تشير إلى استمرار علاقات غير معلنة، واستخدام أسماء مختلفة للالتفاف على الرقابة.
في هذا السياق، يقول منير أديب، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية: إن جماعة الإخوان أدركت مبكرًا أن "المعركة القادمة ستكون على العقول"، ولهذا ركزت على فئة الشباب بوصفها مدخلًا استراتيجيًا طويل الأمد لاختراق المجتمعات.
وأضاف أديب -في حديثه لـ"العرب مباشر"-: ما تقوم به منظمات مثل "فيميسو" لا يندرج ضمن العمل المدني البريء، بل هو شكل ناعم من أشكال التغلغل العقائدي والسياسي، يُلبس بثوب المشاركة المجتمعية، ويهدف إلى خلق أجيال مؤدلجة تحمل أفكار الجماعة وتعيد إنتاج خطابها.
ويحذر أديب، من أن تجاهل هذا النمط من الاختراق قد يؤدي إلى نشوء بيئة موازية داخل المجتمعات الأوروبية، تُنتج فكرًا متطرفًا ضمن أطر قانونية، وتفتح الباب لخلق تربة خصبة للتطرف مستقبلاً تحت مسمى تمثيل الشباب المسلم.