باحث في الشؤون الإفريقية يكشف تفاصيل أزمة الصراع في منطقة النيل الأزرق
كشف باحث في الشؤون الإفريقية تفاصيل أزمة الصراع في منطقة النيل الأزرق
تداعيات خطيرة لأزمة تفاقم الصراع المسلّح في منطقة النيل الأزرق على السودان، في ضوء اتساع رقعة الاشتباكات المسلحة بين القبائل، وتوسع عمليات القتل والحرق إلى معدلات غير مسبوقة منذ (أكتوبر) الماضي، فيما تتنامى التحذيرات الإقليمية والدولية من احتمال وصول نيران الصراع إلى قلب العاصمة الخرطوم، وهو ما يمثل تعقيداً مضاعفاً لأزمة التوتر الأمني والسياسي التي تعيشها البلاد.
الصراع القبلي
وكشفت دراسة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، عن تجدد الصراع القبلي في الجزء الشمالي من ولاية النيل الأزرق مرة أخرى، بين كل من الهوسا من جهة، وبيرتا والهمج والأنقسنا من جهة أخرى، وأصبح التوتر يسود المنطقة المتاخمة للحدود الإثيوبية، مع اتساع رقعة عمليات القتل والحرق للمناطق السكانية والتجارية والزراعية، وهو العنف الذي تمدد ليشمل العديد من المناطق، كالروصيريص، ود الماحي، قيسان، الدمازين، وجاءت تلك الاشتباكات بعد سلسلة من أعمال عنف قبلي منذ (يوليو) 2022، بين قبيلة "الهوسا" وجماعات قبلية أخرى؛ بسبب خلافات على أحقية قيام إدارة أهلية في المنطقة التي تضم أكثر من (8) مجموعات قبلية أخرى.
وأعلنت المؤسسة العسكرية ولاية النيل الأزرق حالة الطوارئ، وفرضت قيوداً على حركة التنقل بين مدينة الدمازين وود الماحي، وانتشاراً كثيفاً لأجهزة الدولة الرسمية في المنطقة لنزع فتيل الوضع الذي ما يزال متوتراً، ولا يمكن التنبؤ به مع احتمال وقوع هجمات انتقامية في أيّ وقت، بحسب ما أوردته الدراسة.
وشكلت لجنة تقصي حقائق للنظر في الاشتباكات، في ظل الانتشار العسكري في المناطق التي تشهد اقتتالاً قبليّاً، وأعطت القوات المسلحة أوامرها لقوات الأمن بصلاحيات كاملة لوقف الاقتتال العرقي، وفرض سيادة وهيبة الدولة في الولاية المضطربة، كما جرى أيضاً تعيين اللواء الركن ربيع عبد الله آدم في منصب قائد منطقة النيل الأزرق العسكرية، ضمن محاولات لاستعادة زمام الأمن في الإقليم من أجل تحقيق الاستقرار والسلام، وفرض هيبة الدولة وتعزيز سيادة حكم القانون بولاية النيل الأزرق، وحالياً تسود ولاية النيل الأزرق حالة هدوء حذر، بعد وصول تعزيزات عسكرية وأمنية بغرض فرض الأمن ونزع فتيل التوتر القبلي منذ تموز (يوليو) الماضي، لكن ما تزال آثار العنف تستحوذ على المشهد، كما أنّ تداعياته تنذر بمخاطر عديدة.
ما الذي يحدث؟
ويقول الباحث المختص في الشؤون الإفريقية صلاح خليل: إن هناك أسباباً أدت إلى تفاقم أزمة الصراع في منطقة النيل الأزرق مجدداً، لعلّ أبرزها تغير المناخ، وضعف الوضع الاقتصادي، والظروف الأمنية الهشة، فضلاً عن استمرار حالة الانقسام السياسي وما نتج عنها من صراعات، هو اتساع رقعة الصراع في النيل الأزرق أدى إلى تطور كمّي ونوعي في مؤشرات العنف؛ ممّا أصاب الحياة العامة في المنطقة بشلل تام، مع تفلتات مسلحة خاصة في المناطق الشمالية.
ولفت أن تعرّض السودان بشدة لتداعيات تغير المناخ، كواحد من دول العالم والبلدان الأقل نمواً والأكثر تعرضاً للطقس غير المستقر، والفيضانات المتكررة، وارتفاع درجات الحرارة، وتقلب هطول الأمطار والجفاف، والممارسات الزراعية غير المستدامة، وندرة الموارد الطبيعية، وهو أحد أهمّ الأسباب وراء الصراعات في النيل الأزرق، وقد ساهم انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي في السودان، بعد انفصال الجنوب عام 2011، في ضعف الأداء الاقتصادي للدولة، واستمر عدم الاستقرار السياسي، بجانب متلازمات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالمية، ممّا زاد من اتساع رقعة العنف القبلي، وزيادة الفقر، وانعدام الأمن الغذائي.
وأشار إلى أن تأثر السودان بالعنف الطائفي المعبّأ على أسس عرقية أو الهوية في المجتمع في النيل الأزرق، وارتبطت النزاعات أيضاً في السودان في ولاية النيل الأزرق بالصراعات الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن التهميش الناتج عن أنماط التنمية غير المتكافئة في المنطقة، ويُضاف إلى ذلك عقود من التدخل السياسي القبلي المرتبط بالنزاعات المحلية المرتبطة (بالأراضي والموارد الطبيعية)، فضلاً عن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، والتي أسهمت في إشعال فتيل التوتر الراهن في بعض المناطق بالنيل الأزرق.
ويرى الباحث أنّ نظم إدارة الموارد وحوكمة الدولة السودانية، سواء إدارة الموارد الطبيعية أو زيادة التهميش بالمجتمعات الريفية، تسببت أيضاً في تفاقم حدة الصراع القبلي، ولا سيّما فيما يخص إدارة الموارد الطبيعية، ومعالجة القضايا ذات الصلة لحيازة الأراضي، وأنظمة ملكية الأراضي، والتي لها تأثير على الموارد الطبيعية في إدارة ومنع النزاعات القبلية، وعدم الاعتماد على الحلول دون التشريعات المختصة، ويُشكّل الصراع السياسي بين النخب السياسية، وفق الباحث، بيئة مهمة للدور السياسي للقبيلة، في ظل تنامٍ ملحوظ لخطاب الكراهية القبلية، بالإضافة إلى عدم نزع السلاح المنتشر لدى الكثير من القبائل.