إيران – طالبان.. من العداء إلى ورقة مساومة ضد الغرب

إيران – طالبان.. من العداء إلى ورقة مساومة ضد الغرب

إيران – طالبان.. من العداء إلى ورقة مساومة ضد الغرب
إيران وطالبان

في الوقت الذي ينشغل فيه الغرب بملفات الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، تتكشف خيوط أزمة جديدة قد تهدد أمنه بشكل مباشر؛ إذ تشير تقارير بريطانية إلى أن تسريب قاعدة بيانات حساسة عن عملاء الاستخبارات البريطانية تحوّل إلى أداة تفاوضية خطيرة في يد إيران وحركة طالبان. 

هذا التطور لا يسلط الضوء فقط على هشاشة المنظومة الأمنية البريطانية، بل يعكس أيضًا طبيعة التحالفات الجديدة في المنطقة، حيث تلتقي مصالح خصمين تاريخيين – طهران وطالبان – في نقطة واحدة: استخدام المعلومات كوسيلة للضغط السياسي والمساومة الاستراتيجية مع الغرب.

تعاون أمني بين طالبان وإيران 

كشفت تقارير بريطانية، أن إيران دخلت في تعاون أمني حساس مع حركة طالبان لتعقّب عملاء بريطانيين، مستندة إلى قاعدة بيانات مسرّبة وُصفت بأنها "قائمة القتل"، تضم تفاصيل عناصر من جهاز الاستخبارات الخارجية (MI6) والقوات الخاصة البريطانية، إضافة إلى آلاف الأفغان الذين عملوا مع لندن.

ووفق صحيفة التليغراف، فقد سافر أربعة مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني إلى كابول الأسبوع الماضي، بعيدًا عن علم الحكومة المدنية في طهران، لطلب الاطلاع على القائمة التي تسربت بالخطأ عام 2022 وتضمنت بيانات أكثر من مئة مسؤول بريطاني و25 ألف متعاون أفغاني. 

وتشير التقارير، أن الحرس الثوري يخطط لاستخدام هذه المعلومات في القبض على جواسيس بريطانيين، وتحويلهم إلى "أوراق مساومة" في مفاوضاته مع الغرب بشأن البرنامج النووي، في وقت تتصاعد فيه التهديدات الأوروبية بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.

طالبان استغلال الوقت لربح المزيد من المكاسب 

في المقابل، ترى طالبان في هذه الصفقة فرصة لتعزيز شرعيتها عبر الحصول على اعتراف رسمي من إيران بحكمها، مستغلة حاجة طهران لأدوات ضغط جديدة في مواجهة الغرب. 

وقد عبّرت مصادر أمنية في لندن عن قلق متزايد من أن يؤدي هذا التنسيق إلى تهديد مباشر لحياة مسؤولين بريطانيين وحلفائهم الأفغان، فيما وُجهت انتقادات للحكومة البريطانية السابقة بسبب الإهمال الذي سمح بتسرب بيانات بالغة الحساسية.

إيران وطالبان.. من حافة الحرب إلى براغماتية المصالح

لم يكن التعاون بين إيران وطالبان أمرًا بديهيًا. فالعلاقة بين الطرفين شهدت مرحلة عداء دموي في التسعينات، حين دعمت طهران "تحالف الشمال" ضد طالبان، وكادت الحرب أن تندلع بعد مقتل دبلوماسيين إيرانيين في مزار الشريف عام 1998. غير أن المشهد تغيّر تدريجيًا عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان، وصولاً إلى الانسحاب الغربي في 2021، الذي فتح الباب أمام تفاهمات تكتيكية بين الطرفين.

إيران، التي لطالما واجهت تهديد تنظيم "داعش – ولاية خراسان"، وجدت في طالبان شريكًا براغماتيًا لمواجهة هذا الخطر. في المقابل، احتاجت طالبان إلى منفذ اقتصادي وسياسي في ظل العزلة الدولية، فكان التفاهم مع طهران خيارًا واقعيًا رغم الخلافات الأيديولوجية.

ليس مجرد تعاون استخباراتي عابر 

يقول الخبير السياسي محمد المنجي: إن ما يحدث اليوم "لا يعكس مجرد تعاون استخباراتي عابر، بل يمثل بداية مرحلة جديدة في علاقات إيران بطالبان، حيث تتحول المصالح إلى أوراق ضغط متبادلة".

ويضيف المنجي - في تصريحات للعرب مباشر-: "إيران تحاول أن تستخدم قاعدة البيانات المسربة كورقة مساومة استراتيجية مع الغرب، خصوصًا في ظل تعثر مفاوضات الملف النووي".

تابع: "طالبان من جانبها، لا تبحث فقط عن مكاسب اقتصادية، بل عن اعتراف سياسي يعزز شرعيتها في الداخل والخارج".

وقال: "الأخطر أن هذا التعاون يخلق معادلة أمنية جديدة تهدد المصالح الغربية في المنطقة، وتضع حياة مسؤولين بريطانيين وأفغان تحت خطر مباشر".

ويؤكد المنجي، أن "الغرب يدفع ثمن تقصيره في حماية هذه البيانات الحساسة، وإذا استمر هذا المسار دون ردع واضح، فقد نشهد استخدام العملاء والبيانات كأدوات ابتزاز في ملفات أخرى مستقبلًا".

 تحالف ظرفي هش

كما أشار ، أنه رغم التقارب الحالي، فإن العلاقة بين إيران وطالبان ما تزال محكومة بالتناقضات، مردفاً: " التعاون ليس سوى تحالف ظرفي هش تمليه البراغماتية السياسية أكثر من أي تقارب فكري أو أيديولوجي. لكن خطورته تكمن في أنه يعكس تحويل الأسرار الأمنية إلى أدوات مساومة في صراع النفوذ الإقليمي والدولي، بينما يبقى العملاء المحليون والحلفاء الأفغان الحلقة الأضعف في هذه اللعبة الكبرى".