سرايا أنصار السنة.. تنظيم غامض يختبر أمن سوريا ويعيد شبح "داعش" من هم؟
سرايا أنصار السنة.. تنظيم غامض يختبر أمن سوريا ويعيد شبح "داعش" من هم؟
في مشهد سوري ما زال يحاول التقاط أنفاسه بعد سنوات من العنف والتحولات السياسية، برز اسم جماعة جديدة تحمل اسم "سرايا أنصار السنة" لتعيد إلى الساحة هواجس أمنية كانت دمشق وحمص وحلب تظن أنها تجاوزتها، فالجماعة التي قدمت نفسها مطلع العام ككيان مستقل، سرعان ما وضعت بصمتها الدموية عبر هجمات نوعية استهدفت دور عبادة ومواقع مدنية حساسة، لتطرح أسئلة ملحّة حول هويتها الحقيقية، وأجندتها، وعمق ارتباطها بتنظيم داعش الذي تحاول – وفق خبراء – أن تكون واجهته الأخف حدة والأقل مباشرة.
الهجوم الأخير على مسجد في حي ذي غالبية علوية بمدينة حمص، لم يكن مجرد عملية أمنية عابرة، بل رسالة متعددة الاتجاهات؛ إلى السلطة، إلى الأقليات، وإلى أنصار التنظيمات المتطرفة أيضًا، وبينما تحاول السلطات السورية التقليل من أثر الجماعة ووضعها في سياق محاولات "زعزعة الاستقرار"، تزداد المخاوف من تحولها إلى لاعب دموي جديد يعيد تدوير خطاب داعش ويبحث عن جمهور جديد.
هجمات رسخت الحضور
لم يكن اسم "سرايا أنصار السنة" مألوفًا في المشهد السوري قبل عام 2025، لكن ظرف البلاد الأمني وسيول الخطاب المتشدد التي لم تُطوَ تمامًا، خلق بيئة ملائمة لبروز هذا الفصيل المسلح الذي اختار أن يعرّف نفسه كحركة مستقلة فكريًا وتنظيميًا، لكنه لم يخف تقاطعه العقائدي والفقهي مع تنظيم داعش.
ومنذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن الجماعة تسعى لتموضع إعلامي مضبوط ومدروس، يعتمد على خطاب متطرف أقل صدامًا من بيان داعش التقليدي، لكن لا يقل خطرًا عنه في الجوهر.
يُعدّ الهجوم الذي استهدف كنيسة في دمشق في 22 يونيو نقطة التحول الأبرز التي أدخلت الجماعة إلى دائرة الضوء؛ إذ أدى التفجير الانتحاري إلى مقتل 25 شخصًا، في عملية أرادت – كما قالت – الرد على ما وصفته بـ"استفزازات" بحق الدعوة الإسلامية.
الحدث لم يمر عابرًا، لأنه ضرب رمزًا دينيًا مسيحيًا داخل العاصمة، ما أثار قلق الأقليات، وأعاد فتح ملفات الحماية والاختراق الأمني والرسائل السياسية الكامنة خلف مثل هذه الضربات.
لم تمضِ أشهر حتى عادت الجماعة بقوة عبر هجوم مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي وادي الذهب بحمص، وهو حي ذو غالبية علوية، ما أعطى العملية أبعادًا طائفية وأمنية حساسة.
سقوط قتلى وتبني واضح وصريح من الجماعة، ترافق مع تعهد علني باستمرار العمليات واستهداف من تصفهم بـ"الكفار والمرتدين"، وهو التعبير الذي يعيد تمامًا مفردات داعش، ويمنح الانطباع بأن "سرايا أنصار السنة" ليست مجرد فصيل منعزل بقدرات محدودة، بل بنية متطرفة تحاول إعادة تشغيل ماكينة الفزع القديمة.
أبعاد أمنية وسياسية
بحسب تقديرات باحثين مختصين بالحركات الجهادية، فإن هجمات الجماعة ليست مجرد استعراض عضلات، بل جزء من استراتيجية تهدف لجذب عناصر جديدة وتوسيع القاعدة البشرية، خاصة بعد انهيار صورة داعش كتنظيم مركزي قادر على السيطرة على الجغرافيا.
اليوم، يبدو الهدف مختلفًا: تنظيمات مرنة، صغيرة الحجم، عالية الحركة، تعمل بواجهات متعددة لتجنب الضربات المباشرة والتتبّع الدولي.
تعليقات باحثين مثل هارون زيلين أشارت إلى أن الهجوم على المسجد كان الأكبر بعد حادثة الكنيسة، مع احتمال أن تكون هذه العمليات اختبارًا لقدرة الجماعة على تنفيذ سلسلة هجمات متتابعة، لا مجرد عمليات فردية متباعدة، إذا نجحت في ذلك، فإن سوريا قد تجد نفسها أمام نسخة مطوّرة من "العمل العنقودي" الذي لطالما اعتمده تنظيم داعش في سنواته الأخيرة.
هوية التنظيم وبنيته
تشير مراجعة قنوات الجماعة على تليغرام إلى ظهور رسمي أوضح في يونيو الماضي بقيادة شخصية تطلق على نفسها اسم "أبو عائشة الشامي"، مع خطاب سياسي عقائدي يصبّ في خانة رفض النظام القائم واعتباره امتدادًا "لحكم وضعي"، إضافة إلى مهاجمة الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
اللافت أيضًا ما يردده محللون حول انخراط عناصر وقادة سابقين من هيئة تحرير الشام ضمن الجماعة، وهو ما يمنحها خبرة ميدانية وتنظيمية متقدمة مقارنة بفصائل ناشئة.
بين الاستقلال التنظيمي والولاء العقائدي
رغم أن الجماعة تصرّ على استقلاليتها التنظيمية، فإنها لا تتردد في إعلان تطابقها الفكري مع تنظيم داعش. بل ذهبت أبعد من ذلك عندما أظهرت تعاطفًا علنيًا مع التنظيم بعد هجمات نسبت إليه في تدمر وأماكن أخرى، مؤكدة أنها تقف معه عقائديًا في مواجهة الحكومة السورية والقوات الدولية.
هذا الخطاب يفتح الباب أمام فرضية قوية تقول: إن "سرايا أنصار السنة" ليست سوى واجهة عملياتية، أو "قناع حديث" لداعش، يهدف إلى الالتفاف على الصورة المشوهة للتنظيم وإعادة تسويق فكره بملمس أقل صدمة للرأي العام المتطرف.
تثير هجمات الجماعة خوفًا مضاعفًا لدى الأقليات الدينية، خصوصًا المسيحية والعلوية، التي مرت تاريخيًا بتجارب دامية مع التنظيمات الجهادية.
ومع كل بيان تبنٍّ جديد، تعود المخاوف القديمة وتتجدد الهواجس حول قدرة الدولة على ضبط الأمن على امتداد جغرافي هش، ما يضع الحكومة أمام تحديات حقيقية، تأمين المدن، تطويق الفكر المتطرف، والتعامل مع حرب نفسية قبل أن تكون عسكرية.
في المحصلة، تبدو "سرايا أنصار السنة" اليوم أكثر من مجرد اسم عابر في سجل العنف السوري. هي تجربة جديدة لتطويع خطاب داعش، وإعادة ترتيبه، وتقديمه عبر قالب يبدو مختلفًا ظاهريًا، لكنه يحتفظ بجوهر الفكر ذاته، نجاحها أو فشلها لن يتحدد فقط بقوة الأمن السوري، بل أيضًا بقدرة الدولة على معالجة أسباب التطرف واستعادة الثقة المجتمعية التي ظلت مهزوزة لسنوات.

العرب مباشر
الكلمات