ترحيب عربي ودولي باتفاق غزة: الهدنة باب لإنهاء المأساة الإنسانية
ترحيب عربي ودولي باتفاق غزة: الهدنة باب لإنهاء المأساة الإنسانية
بعد صراع دامٍ استمر لأكثر من خمسة عشر شهرًا وأودى بحياة الآلاف وخلّف جراحًا إنسانية عميقة، جاء الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بمثابة بصيص أمل في خضم المأساة.
الاتفاق، الذي جرى التوصل إليه بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، لاقى ترحيبًا واسعًا من مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، ومع هذا الإعلان، تتزايد الدعوات للإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة للقطاع، حيث يعاني السكان من أزمة غير مسبوقة في الغذاء والمأوى والرعاية الصحية.
الترحيب العالمي بالهدنة لم يقتصر على التصريحات الرسمية، بل حمل آمالًا بأن يكون الاتفاق خطوة أولى نحو تسوية سياسية شاملة تنهي مأساة الفلسطينيين، وتفتح بابًا للسلام والتنمية في المنطقة.
*التفاعل العربي*
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قادت بلاده مفاوضات طويلة ومعقدة لتأمين الهدنة في قطاع غزة، وصف الاتفاق بأنه تتويج لجهود استمرت لأكثر من عام بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة.
وأكد السيسي على ضرورة إعطاء الأولوية لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع المحاصر، الذي يعاني سكانه من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية بسبب الدمار الواسع الذي خلفه القصف المتواصل.
وشدد على أن السلام الحقيقي في المنطقة لن يتحقق إلا من خلال الالتزام بمبدأ حل الدولتين، بما يضمن للفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
من جهته، أعرب الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، عن ترحيب دولة الإمارات بإعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وعلى إطلاق سراح المحتجزين والرهائن والأسرى.
وذكرت وكالة أنباء الإمارات، أن الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، أثنى على الجهود التي قامت بها دولة قطر، وجمهورية مصر العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، لتحقيق هذا الاتفاق، معرباً عن الأمل في أن يمهد الطريق لإنهاء المعاناة، ويمنع وقوع المزيد من الخسائر في الأرواح، ويضع حداً للأزمة والأوضاع المأساوية في القطاع.
وشدد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على ضرورة أن يلتزم الطرفان بما تم التوصل إليه من توافقات والتزامات في سبيل إنهاء معاناة الأسرى الفلسطينيين والمحتجزين الإسرائيليين.
كما جدد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان التأكيد على موقف دولة الإمارات الراسخ الداعي إلى ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين بشكل عاجل ومستدام، والسماح بتدفقها بكل السبل وبلا عوائق؛ لإنهاء الأوضاع الإنسانية الحرجة التي يواجهها المدنيون منذ أكثر من 15 شهرًا.
وفي بيان رسمي، أعربت السعودية عن ترحيبها بالاتفاق، مؤكدة تقديرها للجهود المبذولة لتحقيقه، لا سيما من قبل مصر وقطر.
كما دعت المملكة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من القطاع وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضرورة ضمان عودة النازحين إلى مناطقهم بأسرع وقت.
وأكدت، أن بناء سلام مستدام يتطلب معالجة جذور النزاع عبر تمكين الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية المشروعة.
*مواقف أوروبية متنوعة*
على المستوى الأوروبي، كان الترحيب بالاتفاق متباينًا في طبيعته ولكنه متفق على ضرورة البناء عليه.
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وصف الهدنة بأنها: "بارقة أمل" طال انتظارها، مشيرًا أن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بحاجة ماسة إلى استقرار دائم يتيح لهم العيش بكرامة وأمان.
وأكد ستارمر، أن الحل يجب أن يركز على إيجاد آليات تضمن منع تكرار هذا الصراع في المستقبل.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من جهته، دعا في بيان إلى احترام بنود الاتفاق، مشددًا على أهمية إيجاد حل سياسي شامل يعالج الأسباب الجوهرية للصراع.
وأشار أن معاناة غزة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية يجب أن تكون دافعًا للالتزام بالعمل على إنهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين رحبت أيضًا بالاتفاق، معتبرة أنه خطوة أساسية نحو تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.
وشددت على ضرورة "التنفيذ الكامل" لبنود الاتفاق بما يضمن تحسين الوضع الإنساني في غزة وتهيئة الأجواء لعملية سياسية دائمة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعرب عن أمله في أن يكون هذا الاتفاق نقطة تحول نحو تحقيق سلام شامل ودائم في المنطقة.
وأشار أردوغان - في تصريحات نُشرت على منصة (إكس)-، أن تركيا مستعدة للمساهمة في جهود إعادة الإعمار ودعم أي مسار سياسي يهدف إلى استقرار المنطقة.
وأضاف: أن الأولوية يجب أن تكون لإنهاء المعاناة الإنسانية للسكان الفلسطينيين.
في المقابل، وصف المستشار الألماني أولاف شولتز الاتفاق بأنه "لحظة حاسمة"، مشيرًا أن تنفيذ بنوده حرفيًا سيساهم في تحسين الأوضاع المأساوية في غزة، خاصة فيما يتعلق بإعادة النازحين وضمان إيصال المساعدات بشكل سلس.
وأكد شولتز، على أهمية استغلال هذا الاتفاق كفرصة لوضع حد دائم للصراع، داعيًا المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم اللازم لضمان تحقيق ذلك.
*دعوات لتعزيز المساعدات الإنسانية*
في ظل الكارثة الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن الأولوية القصوى الآن هي تخفيف معاناة السكان المتضررين من النزاع.
ووصف غوتيريش الوضع في غزة بأنه "غير مسبوق"، داعيًا المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لتأمين إمدادات الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية.
وأضاف: أن الأمم المتحدة مستعدة للعمل مع جميع الأطراف لضمان التنفيذ الفعلي لبنود الاتفاق، مع التركيز على ضمان تدفق مستدام للمساعدات الإنسانية التي تعتبر شريان الحياة لملايين الفلسطينيين.
وأكد، أن المعاناة في غزة هي انعكاس لتحديات أكبر تستدعي حلولًا سياسية شاملة.
*حل الدولتين*
على الصعيد العربي، أعرب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن تفاؤله بأن يشكل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة خطوة أولى نحو تحقيق سلام شامل في المنطقة.
وأشاد بالجهود الدبلوماسية التي بذلتها مصر وقطر والولايات المتحدة للوصول إلى هذا الاتفاق، معتبرًا أنه يعكس إرادة دولية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
وأكد أبو الغيط، على أهمية الالتزام الحرفي بكافة بنود الاتفاق، مشددًا على أن الضفة الغربية وقطاع غزة يشكلان معًا وحدة جغرافية وسياسية لا يمكن فصلها، كونها تمثل الإقليم المستقبلي للدولة الفلسطينية المنشودة.
وأوضح، أن أي محاولات للفصل بين الضفة والقطاع مرفوضة فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا.
وأضاف: أن الحل الوحيد الذي يمكن أن يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة يتمثل في تطبيق حل الدولتين، مشيرًا أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هو السبيل الوحيد لتجنب تكرار مثل هذه النزاعات المدمرة.
من جانبه، يقول د. طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن هذا الاتفاق يمثل اختبارًا مهمًا لإرادة الأطراف الإقليمية والدولية في تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وأكد فهمي في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن الالتزام بالاتفاق يعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف الراعية، خاصة مصر وقطر، على ضمان تنفيذه ومراقبة أي خروقات محتملة.
وأضاف: أن التحديات أمام تحقيق السلام الدائم تشمل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وغياب إرادة دولية موحدة للضغط نحو إنهاء الصراع.
وأشار فهمي، أن تعزيز الحلول السياسية، بالتوازي مع دعم الجهود الإنسانية في غزة، هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة المتكررة.