اجتياح غزة بالكامل.. أهداف إسرائيلية معلنة وتداعيات غير محسوبة

اجتياح غزة بالكامل.. أهداف إسرائيلية معلنة وتداعيات غير محسوبة

اجتياح غزة بالكامل.. أهداف إسرائيلية معلنة وتداعيات غير محسوبة
حرب غزة

في الوقت الذي يواصل فيه قطاع غزة الغارق في الركام البحث عن شريان حياة وسط الحصار الخانق، تتسارع عقارب الساعة نحو مرحلة أكثر دموية في الحرب، فإسرائيل، التي أطلقت على عملياتها العسكرية اسم "عربات جدعون"، تعلن عزمها الدخول في مرحلة جديدة تستهدف قلب مدينة غزة، فيما يواجه المدنيون واقعًا يتراوح بين القصف العنيف والمجاعة المتفاقمة، وتحوّل حي الزيتون وأحياء أخرى إلى ساحات إبادة جماعية وفق شهادات محلية، بينما تحذر المؤسسات الإنسانية من انهيار شامل قد يدفع الكارثة إلى مستويات غير مسبوقة.

وبينما يلوّح الجيش الإسرائيلي بالسيطرة الكاملة على المدينة، يتصاعد الغضب الدولي، وتتعالى الأصوات المحذّرة من مخاطر إبادة ممنهجة ونزوح قسري يهدد هوية القطاع ومستقبله، أمام هذا المشهد، تقف غزة عند مفترق طرق تاريخي، إما الصمود في وجه عملية عسكرية وُصفت بأنها الأخطر منذ بدء الحرب، أو الغرق في دوامة مدمّرة قد تغيّر معالمها إلى الأبد.

*السيطرة الميدانية*


تدخل الحرب الإسرائيلية على غزة منعطفًا بالغ الخطورة مع إعلان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير عن "انطلاق المرحلة التالية" من عملية عربات جدعون، والتي تركز على اجتياح مدينة غزة بشكل أوسع.

تصريحات زامير، التي رافقتها جولات ميدانية لقيادات عسكرية، جاءت لتؤكد أن الهدف الإسرائيلي لا يقتصر على استنزاف قدرات حماس، بل يمتد إلى السيطرة الميدانية الكاملة على مناطق مركزية في القطاع، وهي خطوة تحمل أبعادًا سياسية وعسكرية وإنسانية بالغة التعقيد.

في الميدان، لا يمر يوم دون أن يسجل المدنيون حصيلة جديدة من القتلى والجرحى، مشاهد القصف امتدت إلى محيط المستشفيات، حيث أعلنت وزارة الصحة، أن ساحة مستشفى المعمداني تعرضت لقصف خلّف قتلى وجرحى.

أما حي الزيتون، فقد تحول إلى عنوان جديد للمأساة، إذ وصفه الدفاع المدني بأنه يتعرض لـ"تدمير ممنهج" يمنع حتى من وصول طواقم الإنقاذ لإخراج العالقين تحت الأنقاض.

على الصعيد الإنساني، لم تعد أزمة الغذاء مجرد تحذيرات، بل واقع قاتم يتجسد في أرقام صادمة، وزارة الصحة في غزة أعلنت ارتفاع عدد ضحايا سوء التغذية إلى 258 شخصًا، بينهم 110 أطفال، في مؤشر على أن المجاعة باتت جزءًا من المشهد اليومي.

الحكومة المحلية اتهمت إسرائيل باتباع سياسة متعمدة لتجويع السكان، عبر منع إدخال مئات الأصناف الأساسية، من حليب الأطفال إلى اللحوم والألبان، وهو ما يهدد حياة عشرات الآلاف من المرضى والأطفال.

*نكبة جديدة*


وتزامنًا مع التحضير للعملية البرية، أعلن الجيش الإسرائيلي عن إدخال خيام ومعدات إيواء عبر معبر كرم أبو سالم لتجهيز مناطق نزوح في الجنوب.

إسرائيل تبرر هذه الخطوة بأنها "إجراءات إنسانية لنقل المدنيين بعيدًا عن مناطق القتال"، بينما تراها الأونروا ومنظمات حقوقية دولية شكلاً من أشكال التهجير القسري المقنع، فالمخيمات، وفق مراقبين، قد تتحول إلى معازل طويلة الأمد، تعيد للأذهان سيناريوهات النكبة والتهجير الجماعي.

اللافت، أن التصعيد في غزة لا يقتصر على الداخل، بل ينعكس على الساحة الإسرائيلية ذاتها، عائلات الرهائن الإسرائيليين الباقين في غزة أعلنت تنظيم "يوم وطني" للاحتجاج على استمرار الحرب، متهمة الحكومة بالمغامرة بحياة ذويهم من أجل أهداف سياسية.

 الغضب الشعبي داخل إسرائيل يتصاعد بعد نشر مقاطع فيديو تُظهر رهائن في أوضاع مأساوية، ما يعكس شرخًا عميقًا بين القيادة السياسية والرأي العام.

*معضلة معقدة*


من منظور استراتيجي، يرى مراقبون، أن عملية السيطرة على مدينة غزة ليست مجرد معركة عسكرية، بل مقامرة سياسية، فإسرائيل، رغم تفوقها العسكري الساحق، تواجه معضلة معقدة: كيف يمكنها "هزيمة" حركة متجذرة اجتماعيًا وسياسيًا داخل القطاع، دون أن تُتهم بارتكاب إبادة جماعية أو دفع مئات الآلاف نحو النزوح القسري، هذه الأسئلة، وفق خبراء، تضع حكومة بنيامين نتنياهو أمام مأزق داخلي وخارجي، لا سيما مع تصاعد الضغوط الدولية والمطالب بوقف فوري لإطلاق النار.

المجتمع الدولي، من جهته، يراقب بحذر التطورات، بيانات التنديد والقلق لم تعد كافية أمام صور الخراب والمجاعة، في واشنطن وبروكسل وعواصم عربية، تتكثف التحركات الدبلوماسية لمحاولة احتواء التصعيد، إلا أن غياب رؤية واضحة لمرحلة ما بعد الحرب يجعل كل هذه الجهود محدودة الأثر.

*أزمات وتحديات*


من جانبه، يرى الدكتور أحمد فؤاد أنور، خبير الشؤون الإسرائيلية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن ما يجري في غزة لا يمكن اختزاله في كونه عملية عسكرية تقليدية، بل هو حدث استراتيجي ستكون له انعكاسات بعيدة المدى على المنطقة بأكملها.

ويؤكد فؤاد أنور - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن التوجه الإسرائيلي نحو السيطرة الكاملة على مدينة غزة يعكس مأزقًا سياسيًا داخليًا لحكومة نتنياهو، التي تسعى إلى تحقيق "نصر ملموس" يعيد إليها بعضًا من شرعيتها المتآكلة.

لكن هذا المسار، بحسب أنور، محفوف بالمخاطر، إذ إن كلفة السيطرة على مدينة مكتظة بمئات الآلاف من المدنيين ستكون باهظة إنسانيًا وعسكريًا، وستفتح الباب أمام اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

ويضيف أنور: أن تداعيات الاجتياح ستطال الداخل الإسرائيلي نفسه، فاستمرار الحرب يعني اتساع الهوة بين الحكومة وعائلات الرهائن، فضلاً عن تفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

أما على الصعيد الإقليمي، فيحذر من أن التهجير القسري المتدرج لسكان غزة سيؤدي إلى انفجار أزمات جديدة على الحدود مع مصر والأردن، وقد يشعل موجة غضب شعبي في العالم العربي والإسلامي.

ويخلص أنور إلى أن إسرائيل، حتى لو نجحت عسكريًا في دخول مدينة غزة، فإنها ستواجه تحديًا أكبر يتمثل في إدارة تداعيات ما بعد الحرب، حيث لا يمكن لأي عملية عسكرية أن تقضي على حركة متجذرة اجتماعيًا مثل حماس.