تحذير أوروبي بلا مواربة.. إنقاذ غزة لم يعد يحتمل التأجيل
تحذير أوروبي بلا مواربة.. إنقاذ غزة لم يعد يحتمل التأجيل
في لحظة يتراجع فيها ضجيج المدافع دون أن يخفت صراخ الجوع والبرد، تعود غزة إلى واجهة القلق الدولي بوصفها بؤرةً لأزمة إنسانية مركّبة لا تعترف بوقف هش لإطلاق النار. بيان أوروبي مشترك، خرج هذه المرة بنبرة أكثر حدّة، لم يكتفِ بوصف المشهد بـ«الكارثي»، بل دعا إلى إجراءات عاجلة تكسر دائرة الانتظار العقيم، وبين خيام مهترئة تتحدى المطر، وأنقاض تحولت إلى مصائد موت مع أول موجة برد، يقف أكثر من مليوني إنسان أمام معادلة قاسية، نجاة مؤقتة بلا مقومات حياة.
البيان لم يهبط من فراغ؛ بل جاء تتويجًا لتقارير أممية، وشهادات ميدانية، وصور لا تحتاج تعليقًا، هنا، حيث تختلط السياسة بالإغاثة، ويصير الشتاء عامل حرب إضافي، تُختبر مصداقية المجتمع الدولي وقدرته على تحويل القلق إلى فعل.
تدهور مستمر
أعربت مجموعة من الدول الأوروبية إلى جانب شركاء دوليين عن قلقٍ بالغ إزاء التدهور المتواصل للوضع الإنساني في قطاع غزة، في بيان مشترك دعا إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات فورية لتسهيل وصول المساعدات وحماية المدنيين.
البيان، الذي صدر عن وزراء خارجية كندا والدنمارك وفنلندا وفرنسا وأيسلندا واليابان والنرويج والسويد وسويسرا وبريطانيا، أعاد تسليط الضوء على فجوةٍ متسعة بين الالتزامات المعلنة والواقع على الأرض.
ورغم سريان وقفٍ لإطلاق النار منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول بعد حربٍ طويلة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، فإن الهدوء النسبي لم ينعكس تحسنًا إنسانيًا ملموسًا. فالقطاع، الذي تكبّد دمارًا واسعًا طال البنية التحتية والمساكن، يواجه شتاءً قاسيًا مع قيودٍ صارمة على دخول المساعدات، بحسب تقارير محلية ودولية.
انهيار شبكات الحياة الأساسية
الأمم المتحدة قدّرت أن نحو 80% من مباني القطاع تضررت أو دُمّرت بفعل الحرب، وهو رقم لا يعبّر فقط عن خسارة عمرانية، بل عن انهيار شبكات الحياة الأساسية، سكن، مياه، صرف صحي، وكهرباء، ومع أول موجة أمطار غزيرة وبرد شديد هذا الشهر، تحوّلت الأنقاض إلى تهديد مباشر، وسقط ضحايا نتيجة انهيار مبانٍ متصدعة أو التعرض للبرد، وفق ما أفاد به الدفاع المدني في غزة.
وكالة الأونروا، التي تتحمل عبئًا رئيسيًا في الاستجابة الإنسانية، حذرت من أن الأحوال الجوية القاسية فاقمت معاناة السكان، خاصة النازحين الذين يعيشون في خيام مؤقتة لا تقي المطر ولا تحفظ الدفء، المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني لخّص المشهد بكلمات موجعة حين قال: إن الناس يكافحون للبقاء على قيد الحياة في خيام مهترئة غمرتها المياه وسط الأنقاض.
تحديات الوكالات الانسانية
لكن التحذير الأوروبي لا يقتصر على توصيف إنساني؛ فهو يحمل رسالة سياسية ضمنية مفادها أن إدارة الأزمة عبر التسكين لم تعد كافية، فالمساعدات، حتى عندما تدخل، تصطدم بتحديات التوزيع والأمن والتمويل، بينما يتراجع تمويل الوكالات الإنسانية بفعل إرهاق المانحين واستقطاب الأزمات العالمية الأخرى، هنا تبرز مفارقة قاسية الحاجة تتصاعد في الوقت الذي تتقلص فيه الموارد.
من زاوية أوسع، يكشف البيان عن إدراك متزايد داخل العواصم الأوروبية بأن استمرار القيود على المساعدات في سياق شتاء قاسي قد يفضي إلى كارثة صحية وغذائية، انتشار الأمراض التنفسية، نقص الوقود للتدفئة، وتدهور الأمن الغذائي كلها عوامل تتداخل لتنتج أزمة متعددة الطبقات، هذه ليست أزمة طارئة فحسب، بل حالة مزمنة تتطلب حلولًا هيكلية، تبدأ بفتح ممرات إنسانية مستقرة، ولا تنتهي بإعادة إعمارٍ مشروط بضمانات سياسية وأمنية.
وفي الخلفية، يبقى سؤال المساءلة حاضرًا من يضمن تنفيذ التعهدات، وكيف يمكن تحويل البيانات إلى آليات رقابة فعّالة؟
التجارب السابقة تُظهر أن الفجوة بين القول والفعل تتسع حين يغيب جدول زمني واضح ومعايير قياس شفافة. لذلك، يطالب خبراء الإغاثة بربط أي التزامات سياسية بخطط تشغيلية محددة، تشمل تسريع إدخال مواد الإيواء الشتوية، وتوسيع نطاق الخدمات الصحية، وتأمين الوقود.

العرب مباشر
الكلمات