عودة إلى الركام.. شهادات إنسانية من رحلة العودة إلى شمال غزة

عودة إلى الركام.. شهادات إنسانية من رحلة العودة إلى شمال غزة

عودة إلى الركام.. شهادات إنسانية من رحلة العودة إلى شمال غزة
حرب غزة

في مشهد يعكس قوة الإرادة الإنسانية وسط الدمار، عاد آلاف الفلسطينيين إلى شمال غزة بعد أشهر من النزوح القسري، حاملين معهم أحلامًا بالعودة إلى الحياة الطبيعية رغم الخراب الذي يحيط بهم، تحت أشعة الشمس الحارقة، ساروا لساعات طويلة، يحملون أطفالهم وأمتعتهم البسيطة، متحدين التعب والألم في طريقهم إلى ديارهم التي تحولت إلى أنقاض.

 هذه العودة، التي جاءت بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الطرق الرئيسية، لم تكن مجرد رحلة جغرافية، بل كانت أيضًا رحلة عاطفية مليئة بالفرح الممزوج بالحزن، التجربة القاسية التي مر بها الفلسطينيون خلال الأشهر الماضية تركت أثرًا لا يمحى في نفوسهم، العودة إلى الديار بعد أن أصبحت أنقاضًا تثير أسئلة مؤلمة عن المستقبل، لكنها تؤكد في الوقت ذاته إصرارهم على التشبث بأرضهم رغم كل ما مروا به من تهجير وظلم.

*رحلة شاقة*


بعد 16 شهرًا من النزوح القسري، عاد آلاف الفلسطينيين إلى شمال غزة في رحلة مليئة بالتحديات والعواطف المتضاربة.

بدأت العودة صباح الإثنين، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من الطريق الساحلي، مما سمح للنازحين بالتحرك شمالًا سيرًا على الأقدام.

ومع مرور الساعات، تشكلت طوابير طويلة من المشاة، امتدت لأميال، حاملين معهم ما تبقى من ممتلكاتهم الشخصية.

كانت الرحلة شاقة، خاصة لكبار السن والأطفال، الذين اضطروا إلى السير تحت أشعة الشمس الحارقة، لكنها كانت أيضًا مليئة بإحساس غامر بالارتياح لتحقيق حلم العودة.

تقول سارة أبو عودة، وهي أم لثلاثة أطفال، بينما كانت تحمل ابنها الأصغر على كتفها: "بالرغم من التعب، فإن الشعور بالعودة إلى ديارنا لا يقارن بأي شيء آخر"
.
وأضافت أبو عودة لـ"العرب مباشر"، نحن نعرف أن منازلنا قد دمرت، لكن الأرض التي نسير عليها هي وطننا لا نعرف غيره، سنبحث وسط الركام وننصب خيامنا بدلًا من منازلنا ولكن لن نترك وطننا.

لكن الفرحة لم تكن كاملة، فمع وصول العائدين إلى شمال غزة، واجهوا مشاهد صادمة من الدمار. المنازل التي كانت يوما ما ملاذًا آمنًا تحولت إلى أكوام من الأنقاض، والشوارع التي كانت تعج بالحياة أصبحت خالية إلا من آثار القصف والمعارك.

قال محمد العيسوي، وهو أب لأربعة أطفال، بعد أن قطع مسافة 20 كيلومترًا للوصول إلى منزله: لم أكن أتخيل أنني سأشهد هذا الدمار في حياتي.

وأضاف العيسوي لـ"العرب مباشر"، كل شيء حولنا دمر، لكننا سنبدأ من جديد، كما بدأنا من قبل وكما بدأ آبائنا وأجدادنا، فهذا قدرنا، أن نعاني لأجيال فقط لنحصل على حقنا في العيش على أرضنا.

*لم نفقد الأمل*


من جانبه، عبّر محمود سالم، مزارع يبلغ من العمر 45 عامًا وأب لخمسة أطفال، عن معاناته أثناء العودة إلى منزله في شمال غزة قائلًا: "كنت أعيش مع أسرتي على قطعة الأرض التي ورثتها عن أبي، وكانت حياتنا بسيطة لكنها مستقرة. اليوم، عدت إلى مكان لا أستطيع التعرف عليه، الدمار يحيط بنا من كل جانب".

وأشار محمود في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحرب لم تترك له سوى ذكريات ممزقة عن منزله الذي تحول إلى أنقاض. 

يقول - وهو يراقب أطفاله يلعبون وسط الحطام-: "كان بيتي يضم أشجار الزيتون التي زرعتها بيدي، واليوم لم يبقَ منها إلا جذور محترقة، أطفالي كانوا يذهبون إلى المدرسة القريبة، لكن تلك المدرسة لم تعد موجودة الآن، ولا أعرف كيف سأؤمن لهم تعليمًا في ظل هذه الظروف.

يتحدث سالم أيضًا عن الصعوبات التي تواجهه في توفير الاحتياجات الأساسية لعائلته. يقول بأسى: "لا يوجد ماء ولا كهرباء، وكل شيء يعتمد على مساعدات ننتظرها يومًا بيوم، لم أتخيل يومًا أنني سأجد نفسي في موقف أضطر فيه إلى الاعتماد على الآخرين لإطعام أطفالي".

ويختم محمود حديثه بصوت يحمل مزيجًا من التحدي والأمل: "رغم جرائم الاحتلال الذي دمر منازلنا وسحق شوارعنا لن نترك هذه الأرض، مضيفًا أن هذا المكان هو جذورنا وتاريخنا، وسنحاول البناء من جديد مهما كانت الصعوبات، أذا انتزع الاحتلال منا أبناءنا وأشقاءنا وبيوتنا وأموالنا، فالأمل هو الشيء الوحيد الذي لم تستطع الحرب انتزاعه منا".

*جهود إنسانية*


وتكشف هذه العودة عن قصة أكبر من مجرد عودة إلى الديار، فمنذ النكبة عام 1948، يعيش الفلسطينيون تحت وطأة النزوح المتكرر، مما جعل كل عودة إلى الأرض تحمل رمزية عميقة، بالنسبة للكثيرين، كانت هذه العودة بمثابة تحدٍ للسياسات الإسرائيلية التي تسعى إلى تغيير الواقع الديموغرافي في المنطقة.

فبعد دعوات إسرائيلية لتوطين المستوطنين في شمال غزة، ومقترحات دولية بنقل الفلسطينيين إلى دول عربية، جاءت هذه العودة لتؤكد تمسك الفلسطينيين بأرضهم، لكن التحديات التي تواجه العائدين كبيرة، وفقًا لتقارير محلية، فإن 90% من العائدين إلى شمال غزة فقدوا منازلهم، ويعيشون الآن في خيام أو تحت الأنقاض.
وفي خضم هذه الأوضاع الصعبة، تواصل الجهود الإنسانية تقديم الدعم لسكان غزة. 

عبر معبر رفح، دخلت شاحنات محملة بالمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية إلى القطاع، في إطار جهود مصرية ودولية لتخفيف المعاناة الإنسانية. 

وقال مسؤول في معبر رفح: "نعمل على مدار الساعة لتأمين وصول المساعدات إلى كل منطقة في غزة. هذه المساعدات هي شريان الحياة للكثيرين هنا".