التحركات الأمريكية تجاه سوريا.. هل تدفع الحسابات المعقدة نحو تصعيد جديد؟
التحركات الأمريكية تجاه سوريا.. هل تدفع الحسابات المعقدة نحو تصعيد جديد؟
تشهد سوريا في ديسمبر 2024 تطورات ميدانية متسارعة بعد اقتحام مدينة حلب من قبل قوى المعارضة المسلحة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، ما يعمّق الأزمة ويعقد المشهد السياسي والأمني.
هذا التصعيد يأتي وسط انهيار متزايد في الهدنة الهشة التي كانت قائمة، لتتحول المدينة إلى مسرح جديد للمواجهات بين القوات الحكومية والمعارضة.
تعقيد المشهد الميداني
هيئة تحرير الشام، التي تُعتبر أحد أبرز الفصائل المعارضة وأكثرها تنظيماً، نفذت عمليات هجومية واسعة تهدف إلى إحكام السيطرة على مواقع استراتيجية بحلب، ويُنظر إلى هذه التحركات على أنها محاولة لتعزيز موقف المعارضة قبيل أي تسوية سياسية محتملة، لكن هذه التحركات تأتي أيضًا وسط تباينات داخل المعارضة نفسها، ما يعكس انقسامات داخلية وتضارباً في الأجندات.
ومع تصاعد القتال، تتفاقم الأزمة الإنسانية في حلب، آلاف المدنيين وجدوا أنفسهم عالقين في مناطق الصراع دون أي وسائل للفرار، تقارير محلية ودولية تشير إلى ارتفاع أعداد القتلى والمصابين، مع غياب شبه كامل للخدمات الطبية والإغاثية، الأمم المتحدة وصفت الوضع بأنه "كارثي"، داعيةً جميع الأطراف إلى احترام القانون الدولي الإنساني.
الدور الأمريكي الحالي
صرح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، وفقًا لموقع "أكسيوس"، بأن الهجوم الأخير في الشمال السوري لم يكن مفاجئاً، إذ استفادت الجماعات المتمردة من ضعف وتشتت الجهات الداعمة للحكومة السورية.
هذا التصريح يعكس وعيًا أميركيًا بتعقيد المشهد، إلا إنه لا يخلو من التناقض مع تصريحات مسؤولين آخرين أبدوا تفاجؤهم بالتصعيد وأكدوا مراقبتهم للوضع عن كثب.
الخبير في السياسة الخارجية الأميركية هارلي ليبمان يرى أن واشنطن تتبنى مقاربة براغماتية قائمة على تقليل النفوذ الإيراني وحزب الله في سوريا.
ويقول: "الإطاحة بالرئيس السوري لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة.. من الأفضل لواشنطن التعامل مع حكومة الأسد الضعيفة بدلاً من مواجهة تهديد أكبر من قبل الجماعات الإرهابية مثل هيئة تحرير الشام".
التصعيد والموقف التركي
التصعيد الأخير في حلب يعيد تسليط الضوء على التدخلات الإقليمية والدولية. تركيا، التي لها تأثير مباشر على هيئة تحرير الشام، تحاول إعادة ترتيب مصالحها في الشمال السوري، بينما روسيا، الحليف الأساسي للحكومة السورية، ترى في هذه الهجمات تهديداً لمكتسباتها العسكرية والسياسية.
أما الولايات المتحدة، فتراقب الموقف بحذر دون أن تتخذ خطوات تصعيدية واضحة، مع التركيز على جهود منع المزيد من التدهور.
تركيا تبدو الرابح الأكبر من التصعيد الأخير، حيث تستفيد من دعمها لبعض الجماعات المتمردة لتوسيع نفوذها في المنطقة.
وفي المقابل، تتراجع قوة إيران نسبيًا، ما يعكس ديناميكية جديدة في الموازين الإقليمية.
مصالح أمريكا مع ترامب
من جانبه، يرى الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية جوناثان جيليام، أن الإدارة الحالية للرئيس بايدن تركز على ما يخدم أجندتها السياسية أكثر من الكفاءة في إدارة الأزمة.
ويضيف: "ترامب، عندما يستلم زمام الأمور، سيعتمد استراتيجيات أخرى لتجنب التصعيد، بما في ذلك السعي لتسوية مع الرئيس السوري بشار الأسد".
جيليام يحذر أيضًا من خطر تقارب الجماعات المتطرفة مع إيران في حال زادت قوتها، قائلاً: "تحالف كهذا يمكن أن يشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل والمنطقة بأكملها.
إدارة الأزمة تتطلب توازناً دقيقاً بين الضغط على إيران واحتواء الجماعات الإرهابية".
ويقول الباحث السياسي، وأستاذ العلوم السياسية، طارق فهمي: إن ما يحدث في حلب يعكس تعقيد المشهد السوري بعد سنوات من الصراع، حيث يعيد الاقتتال بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، تشكيل موازين القوى محلياً وإقليمياً.
وأضاف فهمي - في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، أن هذه التطورات تدفع باتجاه مزيد من الاستقطاب الدولي، خصوصًا في ظل صمت واشنطن وترقبها للمشهد، ودعم روسيا المستمر لدمشق، إن استمرار التصعيد دون تحرك دولي جاد قد ينسف أي فرص لحل سياسي للأزمة السورية التي أصبحت مرهونة بحسابات خارجية أكثر منها داخلية.