قطع المساعدات الأمريكية.. هل يفتح الباب أمام عودة داعش؟.. خبراء يجيبون

قطع المساعدات الأمريكية.. هل يفتح الباب أمام عودة داعش؟.. خبراء يجيبون

قطع المساعدات الأمريكية.. هل يفتح الباب أمام عودة داعش؟.. خبراء يجيبون
تنظيم داعش الإرهابي

منذ إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن تجميد المساعدات الأمريكية في بداية ولايته، تأثرت العديد من البرامج الإنسانية والأمنية حول العالم، بما في ذلك العمليات التي تديرها المنظمات الدولية في مخيم الهول بسوريا، هذا المخيم، الذي يأوي عائلات عناصر تنظيم داعش، يُعتبر نقطة حساسة في معركة محاربة الإرهاب، حيث يُخشى أن يؤدي تقليص الدعم إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية. 

ومع تزايد التقارير عن تحركات مريبة داخل المخيم، وتحذيرات من استغلال التنظيم لأي اضطرابات، تتصاعد المخاوف بشأن عودة داعش إلى الواجهة مجددًا، مستفيدًا من أي فراغ أمني أو تراجع في الإمدادات الأساسية. فهل يمكن أن يكون قرار تجميد المساعدات عاملًا مساعدًا في إحياء التنظيم المتطرف؟


*قرار ترامب وتأثيراته الأولية* 


مع بداية ولايته، سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إعادة تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بالمساعدات الدولية، حيث تبنى نهجًا أكثر تقشفًا، معتبرًا أن المساعدات الخارجية تشكل عبئًا ماليًا على دافعي الضرائب الأمريكيين دون تحقيق مكاسب استراتيجية واضحة.

في هذا السياق، قرر ترامب تجميد التمويل المخصص لبرامج الإغاثة الدولية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على عددٍ من المشاريع الإنسانية في مناطق النزاع، بما في ذلك سوريا. 

كان لهذا القرار تأثيرًا ملموسًا على عمليات الدعم اللوجستي في المخيمات السورية، حيث يعتمد آلاف النازحين والمحتجزين، بمن فيهم أسر عناصر داعش، على المساعدات الأمريكية لتوفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمياه والرعاية الصحية.

ويعدّ مخيم الهول من بين أكثر المتضررين، إذ يضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال الذين يعيشون في ظروف قاسية، ويشكل نقطة حساسة في المعادلة الأمنية الإقليمية.

ومع تراجع الإمدادات وتقلص الموارد، بدأت المخاوف تتزايد بشأن تداعيات القرار الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بإمكانية استغلال داعش لهذا الوضع لإعادة بناء نفوذه. 

*مخاوف واضطرابات* 


وفقًا لوكالة أسوشيتد برس، فإن قرار تجميد المساعدات يأتي في وقت حساس للغاية، حيث يحاول داعش استعادة نفوذه مستغلًا حالة الفوضى في بعض المناطق السورية.

وعلى الرغم من الضربات العسكرية التي تلقاها التنظيم خلال السنوات الأخيرة، فإنه ما يزال يحافظ على خلايا نائمة منتشرة في مناطق مختلفة، بما في ذلك في محيط مخيم الهول. 

يخشى المراقبون من أن تدهور الأوضاع المعيشية داخل المخيم قد يكون بمثابة فتيل يشعل اضطرابات واسعة، خاصة إذا ما أدى نقص الإمدادات الغذائية والمساعدات الإنسانية إلى حالة من الغضب واليأس بين قاطني المخيم.

وتزداد المخاوف من أن أي اضطراب داخلي قد يمنح عناصر داعش فرصة للاندماج مجددًا بين المحتجزين، أو حتى تنفيذ هجمات من داخل المخيم نفسه، حيث سبق أن شهد المخيم حوادث عنف واشتباكات بين الحراس وبعض المحتجزين المتشددين. 

المعطيات على الأرض تشير أن البيئة داخل المخيم ما زالت خصبة لنمو الفكر المتطرف، خاصة بين الأطفال والمراهقين الذين يعيشون في عزلة تامة عن المجتمع الخارجي، ويتعرضون لخطاب متشدد من قبل بعض النساء اللواتي ما يزلن متمسكات بأيديولوجية التنظيم.

وبحسب تقارير ميدانية، فإن بعض الأطفال في المخيم أظهروا سلوكيات عدائية تجاه الصحفيين والزوار، حيث قاموا برشق الحجارة على فرق إعلامية، مرددين شعارات داعمة لداعش. 

*موقف إدارة المخيم والتحالف الدولي*


في ظل هذه التهديدات المتزايدة، تسعى إدارة مخيم الهول إلى فرض إجراءات أمنية صارمة للحفاظ على الاستقرار ومنع أي محاولات لاختراق المخيم من قبل التنظيم. 

ووفقًا لمديرة المخيم جيهان حنان، فقد تلقى المسؤولون هناك معلومات استخباراتية من جهات عدة، من بينها التحالف الدولي ضد داعش، والحكومة العراقية، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، تفيد بأن التنظيم الإرهابي يخطط لشن هجوم على المخيم بعد التغييرات التي شهدتها الساحة السورية، بما في ذلك سقوط نظام بشار الأسد وفقًا لوكالة "أسوشيتد برس".

أدى هذا التحذير إلى تعزيز الإجراءات الأمنية داخل المخيم، حيث تم تكثيف الدوريات وزيادة عدد الحراس في المناطق الحساسة، لا سيما في القسم المعروف بـ"الملحق"، والذي يضم أكثر الأفراد تشددًا. 

كما تم فرض قيود جديدة على التنقل داخل المخيم، لضمان عدم حدوث تجمعات غير مبررة يمكن أن تتحول إلى أعمال شغب أو محاولات هروب جماعي. 

وفي الوقت ذاته، تؤكد حنان أن التعاون مع القوات المشرفة، والتي تضم التحالف الدولي والقوات الكردية، ما يزال قائمًا لضمان السيطرة على الوضع ومنع أي اختراقات أمنية.


ومع ذلك، فإن التحديات تبقى كبيرة، خاصة في ظل استمرار الأزمة الإنسانية داخل المخيم، والتي قد تشكل قنبلة موقوتة إذا لم يتم التعامل معها بحلول مستدامة.

*تحذيرات من التداعيات*

خلال زيارة صحفيي وكالة "أسوشيتد برس"، تعرضوا للرشق بالحجارة من قبل أطفال في القسم الملحق، الذين كانوا يرددون شعارات مؤيدة لداعش؛ مما يعكس مدى تغلغل الفكر المتطرف بين بعض قاطني المخيم.

وسط تزايد المخاوف من تصاعد التهديدات الإرهابية، حذّر الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، من أن استمرار الأوضاع الحالية في مخيم الهول دون حلول جذرية قد يؤدي إلى كارثة أمنية مستقبلية.

خلال زيارته الميدانية إلى المخيم في منتصف يناير، شدد كوريلا على أن غياب الجهود الدولية لإعادة التأهيل وإعادة الإدماج يشكل بيئة خصبة لظهور جيل جديد من مقاتلي داعش، قد يكون أكثر تطرفًا وخطورة من سابقيه.

وأضاف: أن هؤلاء الأطفال، الذين لم يعرفوا سوى العنف والنزاعات، قد يتحولون إلى قنابل موقوتة إذا لم يتم التدخل سريعًا لإنقاذهم عبر برامج إعادة التأهيل والتوطين.

وأكد المسؤول العسكري الأمريكي، أن مخيمات الاحتجاز، مثل مخيم الهول، لا يمكن أن تظل حلاً طويل الأمد، بل يجب أن يكون هناك التزام دولي لمعالجة هذه الأزمة من جذورها. 

وأوضح، أن الولايات المتحدة تدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته في هذا الملف، من خلال المساهمة في عمليات إعادة التوطين أو استعادة مواطنيها المحتجزين في المخيم. 

وخلص إلى أن تجاهل هذه المشكلة الآن قد يؤدي إلى إعادة إحياء داعش، ليس فقط في سوريا والعراق، بل على نطاق أوسع قد يصل إلى مناطق أخرى في العالم.

*قنبلة موقوتة*


من جانبه، يقول الدكتور إبراهيم ربيع الخبير المتخصص في شئون الجماعات الإرهابية: إن مخيم الهول يمثل قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، مشيرًا أن الأوضاع الأمنية المتدهورة داخل المخيم، إلى جانب تزايد حالة اليأس بين السكان، قد يوفران بيئة مثالية لإعادة تجنيد المتشددين.

 وأضاف ربيع في حديثه لـ"العرب مباشر": أن الأطفال والمراهقين في المخيم يشكلون الفئة الأكثر عرضة للتطرف، إذ يتم استغلالهم بسهولة من قبل عناصر داعش لبث أفكارهم وغرس مفاهيم العنف في عقولهم منذ الصغر.

وتابع: أن الكثير من الدول لا ترغب في استعادة مواطنيها المتورطين مع داعش، خوفًا من التحديات الأمنية والقانونية، لكن تركهم في المخيم دون حلول حقيقية سيؤدي إلى إنتاج نسخة جديدة من داعش قد تكون أكثر تطرفًا بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها.

وأكد ربيع، أن الحل لا يكمن فقط في تشديد الإجراءات الأمنية، بل يجب أن يترافق ذلك مع برامج تأهيل نفسي وتعليمي تستهدف الفئات الأصغر سنًا، بالإضافة إلى تعزيز جهود إعادة التوطين، سواء في بلدانهم الأصلية أو من خلال برامج إعادة الدمج في المجتمعات المحلية.