وعود الغرب.. تاريخ من التلاعب بمصير الفلسطينيين

وعود الغرب.. تاريخ من التلاعب بمصير الفلسطينيين

وعود الغرب.. تاريخ من التلاعب بمصير الفلسطينيين
حرب غزة

على مدار قرون، لعبت القوى الغربية دورًا رئيسيًا في تشكيل مصير فلسطين، حيث أُطلقت وعودًا وخططًا، بدت ظاهريًا كمبادرات دبلوماسية؛ لكنها في الواقع كانت مشاريع سياسية لخدمة أجندات استعمارية، منذ بيان نابليون في القرن الثامن عشر، مرورًا بوعد بلفور في مطلع القرن العشرين، وصولًا إلى "صفقة القرن" وخطط التهجير في عهد ترامب، ظل الفلسطينيون الحلقة الأضعف في معادلة المصالح الدولية.


وعود لم تُكتب لصالحهم، بل وضعتهم أمام تحديات متزايدة، من التهجير القسري إلى الحروب المتكررة؛ مما أدى إلى تآكل حقوقهم تدريجيًا. اليوم، وفي ظل استمرار هذه السياسات، يتساءل كثيرون: هل كانت هذه الوعود مجرد أدوات لتغيير ديموغرافي يخدم مصالح الغرب، أم أنها استراتيجيات متعمدة لإبقاء القضية الفلسطينية في دائرة الصراع الدائم؟

*وعد نابليون وبداية التلاعب*


في عام 1798، خلال حملته العسكرية في الشرق الأوسط، وجه نابليون بونابرت رسالة إلى اليهود دعاهم فيها إلى الانضمام إليه مقابل إقامة "وطن قومي" لهم في فلسطين.

كان هذا الإعلان مدفوعًا بحسابات سياسية بحتة، حيث سعى نابليون إلى استغلال الطموحات اليهودية لتحقيق مكاسب عسكرية في مواجهة الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على المنطقة آنذاك.

ورغم أن هذا الوعد لم يترجم إلى واقع عملي بسبب فشل الحملة الفرنسية، فإنه شكّل أول تعبير رسمي من زعيم غربي عن فكرة منح اليهود وطنًا في فلسطين، وهي الفكرة التي ستجد لاحقًا أصداء واسعة لدى القوى الأوروبية الكبرى التي رأت في دعم المشروع الصهيوني وسيلة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

*اقتراح بالمرستون*


بعد أربعة عقود، وفي عام 1840، تبنى وزير الخارجية البريطاني لورد بالمرستون فكرة توطين اليهود في فلسطين، مستخدمًا إياهم كأداة لتحقيق أهداف بريطانية استراتيجية.

ففي ظل الصراع القائم بين محمد علي باشا والدولة العثمانية، رأت بريطانيا في إنشاء تجمع يهودي قوي في فلسطين وسيلة لإضعاف النفوذ المصري المتنامي، ومنع محمد علي من بسط سيطرته الكاملة على بلاد الشام.

كان الهدف المعلن هو تخفيف معاناة اليهود المضطهدين في أوروبا، لكن في الواقع، سعت بريطانيا إلى توظيف اليهود كحاجز بشري يعزز وجودها في المنطقة ويخدم مصالحها الاستعمارية على المدى البعيد.

وقد لقي هذا الاقتراح دعمًا من بعض الشخصيات اليهودية النافذة التي رأت فيه فرصة لترسيخ الوجود اليهودي في فلسطين؛ مما مهد الطريق لمشروعات استيطانية لاحقة.

*مؤتمر بازل*


في عام 1897، انعقد مؤتمر بازل في سويسرا بقيادة الصحفي والناشط السياسي تيودور هرتزل، الذي لعب دورًا محوريًا في تحويل الصهيونية من مجرد فكرة دينية متفرقة إلى مشروع سياسي منظم. 
شكل المؤتمر لحظة مفصلية في تاريخ الحركة الصهيونية، حيث تم وضع الأسس الأيديولوجية والتنظيمية لإقامة دولة يهودية في فلسطين.

وقد أقر المؤتمر، أن الهدف الرئيسي للحركة هو إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، على أن يتم تحقيق ذلك من خلال الجهود الدبلوماسية وكسب دعم القوى الكبرى.

لم يكن مؤتمر بازل مجرد تجمع نظري، بل مثل نقطة انطلاق لحراك سياسي مكثف استهدف الحصول على دعم رسمي لمشروع الدولة اليهودية، وهو ما تحقق لاحقًا عبر تحالفات مع بريطانيا ودول غربية أخرى.


*وعد بلفور*


يُعد وعد بلفور، الصادر في 2 نوفمبر 1917، إحدى المحطات الأشد تأثيرًا في تاريخ القضية الفلسطينية.

فقد تعهدت بريطانيا رسميًا، عبر رسالة وجهها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل روتشيلد، بدعم إقامة "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين.

جاء هذا الوعد نتيجة ضغوط مارستها الحركة الصهيونية التي استطاعت توظيف نفوذها السياسي والاقتصادي في بريطانيا لكسب تأييدها، خاصة في ظل الحرب العالمية الأولى وسعي بريطانيا لضمان دعم اليهود في الولايات المتحدة وأوروبا.

لم يكن هذا الوعد مجرد بيان دبلوماسي، بل تحول إلى أساس قانوني للهجرات اليهودية المكثفة التي بدأت تتوافد على فلسطين تحت حماية الانتداب البريطاني، وأدى ذلك إلى تصاعد التوترات بين السكان الفلسطينيين الأصليين والوافدين الجدد؛ مما تسبب في اندلاع ثورات فلسطينية متتالية، انتهت بإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، بعد مواجهات دامية وعمليات تهجير قسري واسعة للفلسطينيين، شكلت بداية النكبة، وأحد أخطر التحولات الجيوسياسية في القرن العشرين.

*صفقة القرن*


في عام 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته المعروفة بـ"صفقة القرن"، والتي وصفت بأنها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بدلًا من حلها.

تضمنت الخطة الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ومنح الفلسطينيين دولة منزوعة السيادة، إضافة إلى إبقاء المستوطنات تحت السيطرة الإسرائيلية.

كانت هذه الخطوة استمرارًا لنهج غربي قائم على فرض حلول تخدم إسرائيل دون مراعاة الحقوق الفلسطينية.

*خطة تهجير غزة*


مع بداية ولايته الثانية، طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة مثيرة للجدل تتعلق بمستقبل قطاع غزة، تمثلت في مقترح يقضي بتهجير سكان القطاع إلى دول مجاورة.

جاء هذا الطرح ضمن سياق أوسع من السياسات الأمريكية التي دعمت بشكل متزايد التوجهات الإسرائيلية الساعية إلى إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية والجغرافية للأراضي الفلسطينية.

ورغم أن الفكرة لم تتحول إلى خطة رسمية معلنة، إلا أنها أثارت ردود فعل دولية غاضبة، حيث اعتبرها كثيرون امتدادًا لاستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، تمهيدًا لفرض حلول سياسية قسرية.

كما كشفت التسريبات، أن بعض الدوائر الغربية ناقشت سرًا إمكانية تقديم حوافز اقتصادية لدول مثل مصر والأردن لاستيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما رفضته هذه الدول بشدة، خشية تحول القضية الفلسطينية إلى مجرد أزمة لجوء، بدلًا من كونها قضية تحرر وطني. 

*التلاعب بفلسطين* 


من جانبه، يرى الدكتور محمد المنجي، أستاذ العلوم السياسية، أن السياسات الغربية تجاه فلسطين لم تكن يومًا مجرد قرارات منفصلة، بل هي امتداد لاستراتيجيات استعمارية متعاقبة تهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الغربية والإسرائيلية".

وأوضح المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن جميع الوعود الغربية، من رسالة نابليون عام 1798 إلى وعد بلفور عام 1917 وصولًا إلى خطة ترامب لتهجير غزة، كانت تصب في هدف واحد، وهو استخدام القضية اليهودية كأداة لتحقيق مكاسب سياسية، فيما كان الفلسطينيون هم الضحية المستمرة لهذه المشاريع".

ويضيف المنجي، أن التعامل مع فلسطين تم دومًا باعتبارها ورقة تفاوض جيوسياسية، حيث استُخدم اليهود أنفسهم في البداية كأداة لتفكيك القوى الإقليمية المناوئة للغرب، قبل أن يتحول المشروع الصهيوني إلى كيان مستقل يخدم المصالح الاستعمارية في المنطقة.