انتخابات مصر بعين لبنانية
تتجه أنظار العالم الي الانتخابات المصرية
من المعروف أن الأزمات اللبنانية المتتالية منذ انفجار الحرب الأهلية فيه عام 1975 وحتى الآن لم تكن سوى حقول اختبار لما يمكن تطبيقه على امتداد الساحة العربية سواء ما يتعلق منه بمشروع التقسيم واستبدال الحكم المركزي بسلطة الميليشيات وتدمير مفهوم المواطنة الجامعة لمصلحة العصبيات الطائفية والمذهبية، وتسليم سدة الاقتصاد الوطني بما فيه قطاعات المصارف ومدخرات المواطنين والتجارة إلى منظومة فاسدة تشاركت في اقتسام إدارات الدولة وتوزيع المال العام على أركانها لتصبح المصالح الخاصة في مرتبة الأولوية على المصلحة الوطنية، وتحويل الدستور إلى مواد يتسابق أركان هذه المنظومة على تفسيرها بما يخدم أهدافه.
ومن المفارقات المبكية أن كل طرف في هذه المنظومة الفاسدة يطلق يومياً شعارات نارية حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتحرير الأرض والثورة على الظلم والحرمان، ويدعو لإقامة الدولة المدنية ومحاربة الطائفية السياسية إلخ.
وإذا حاولنا مطابقة هذه الشعارات مع الأفعال نصطدم بوقائع وحقائق معكوسة تماما ومضادة لكل قانون أو عرف أو شريعة أو دين. فكم من "محروم" أصبح مليارديرا، وكم من داعٍ للديمقراطية وحقوق الإنسان فتح سجوناً، أو اغتال صاحب رأي آخر جسدياً أو معنوياً، وكم من متوج بعمامة أو قلنسوة هجر منبره ودخل في سوق المضاربات بالدولار، بل كم من داعية لمواجهة الإمبريالية كرمت سفارات الإمبريالية أولاده أو أقاربه، أما عن المتحدثين أصحاب الخطابات الرنانة عن الوحدة الوطنية فإنك تجدهم قد أنجزوا ترسيم كانتوناتهم الطائفية والمذهبية ويضخون أمصال العصبيات والعنصريات في عروق تابعينهم ومواليهم. وجميع هؤلاء، دون استثناء، لهم مربط خيل فرنكوفوني أو عند العم سام، ساهم في إيصالهم إلى مناصبهم ورعاية مصالحهم.
صحيح أن في لبنان نوعيات من السياسيين تعمل وتضحي من أجل وطن واحد وحر ومستقل، وتتمسك قولا وفعلا بالدستور الوطني وبهوية لبنان العربية، وتلتزم بالصلاح والإصلاح لكن هؤلاء تم كتمهم بكل الوسائل. وبما أن لبنان مختبر للمشاريع المراد تطبيقها عربيا، فإن هذا الخليط من الفساد والتدمير المجتمعي الخطير هو أيضا برسم التصدير إلى العرب؛ ما يتطلب وعياً عاماً بهذه المحاولات واستيعاب الدروس الناتجة عنها.
وفي هذا المجال لا ينبغي أن نتغافل عن مصر، وهي تخوض، منذ نجاح ثورتها المجيدة في 30 يونيو وحتى الآن حربا ضروسا تستهدف مقوماتها كدولة وطنية ودورها العربي والإفريقي المتعاظم بموجب التاريخ والجغرافيا. خلال حكم الإخوان بدأ معول التهديم يعمل، بخطوات مماثلة إلى حد كبير بما جرى في لبنان (المختبر الصغير)، كإحراق الكنائس وتهجير بعض المسيحيين وانفلات الميليشيات التي ترفع زورا راية الدين مقابل محاولات لضرب المؤسسة العسكرية بواسطة الإرهابيين، وانتشار المصالح الخاصة وحشو الإدارات بالأزلام والمحاسيب. لكن كل ذلك تم لجمه في مصر بواسطة الشعب مدعوما من الجيش وتتقدمه قيادة سياسية واعية بعمق لطبيعة المخطط وانعكاساته على الأرض المصرية. القيادة السياسية المصرية وعلى رأسها الرئيس - الفدائي عبد الفتاح السيسي الذي قرر إيقاف انتشار المخطط التقسيمي والتدميري للمجتمع عند حدود مصر ومن ثَم وبالتواتر القومي عند حدود كل دولة عربية، فأكد على أولوية الحفاظ على مقومات الدولة الوطنية وأهمها المؤسسة العسكرية ودورها في حماية السيادة والبناء ليصبح الجيش المصري باعتراف -أو بغضب من أصحاب المشاريع الهدامة- أكبر قوة في المنطقة ومن الكبار عالميا.. ثم أدار الرئيس السيسي عجلة التنمية والبناء بقوة وبسرعة قياسية سابق فيها الزمن، من إنشاء أكبر محطة إنتاج للكهرباء إلى محطة الضبعة النووية، إلى اكتشاف آبار البترول والغاز، إلى شبكات الطرق والكباري والمدن الجديدة، إلى تأكيد السيادة الشرعية على كامل سيناء، إلى إنهاء ظاهرة أطفال الشوارع واجتثاث مرض الفيروس سي من أكباد المصريين، إلى إشعال جذوة الشباب بالمبادرة والعمل وتفاعل الخبرات مع شباب العرب والعالم، إلى استحداث شبكة قطارات تقترب لتضاهي مثيلاتها في أوروبا، إلى استصلاح الأراضي الزراعية وإصلاح قطاعي الصحة والتعليم وغير ذلك كثير مما أنجز ومما سينجز أضعافا مضاعفة. عملية النهوض الكبرى هذه كانت ممنوعة من قِبل أصحاب المشاريع الهدامة، والدليل استمرار منعها في دول عربية عديدة قريبة وبعيدة، لكن الظاهرة المميزة أنها تمت في مصر رغم الكم الهائل من التحديات سواء على يد الإرهاب في الداخل أو من الخارج كالحصار المائي والمالي ومخططات قطع طرق التواصل والضغوط على مصر وعلى العرب لغير مصلحة مصر.
ومن الشعارات التي حاول البعض رفعها أن بناء البشر يجب أن يتقدم على بناء الحجر! فهل الإنجازات الطبية والتعليمية وتحفيز الشباب حجر؟ ثم بناء الحجر لمصلحة من؟ أليس لخدمة البشر؟ شعار آخر يرفع بمقولة ممجوجة عن حقوق الإنسان يقابله تصريح لمسؤول نيابي أميركي يطالب فيه بتقليص المعونة لمصر بسبب "حقوق الإنسان".. شعارات عديدة من هنا وهناك تصدر عشية الانتخابات الرئاسية في مصر تستنبط بديهياً مثيلاتها التي طالما أطلقت في لبنان.. وشتان بين زيف الشعارات وحقائق العمل والإنجاز.. أن أصغر مشروع تنموي أنجز في مصر خلال السنوات التسع الأخيرة كان سينجز في لبنان خلال أربعين سنة وبأضعاف أضعاف كلفته الحقيقية.. الشعارات لا تبني الأوطان.. ومن دون أي مبالغة لو كان في لبنان رئيس يمتلك 25 بالمئة من قدرات وشجاعة وتصميم ونزاهة الرئيس السيسي لطالب اللبنانيون بإبقائه رئيسا مدى الحياة. وكلبناني أعرف أصالة وعزيمة ووفاء الشعب المصري أقول لأهلي وإخواني على أرض الكنانة: إن الشعارات هي عدة الشغل في المناسبات، لكن كلمة نعم للرئيس السيسي تختصر كل معاني الولاء والوفاء والوعي والإدراك لتبقى العزة لمصر