كيف عمقت أزمة الدولار معاناة اللبنانيين اليومية؟
عمقت أزمة الدولار معاناة اللبنانيين اليومية
نشر المواطن اللبناني فؤاد خريس عبر صفحته على تويتر تغريدة لأحد الأشخاص أظهر فيها فاتورته بعد أن قصد مقهى في الجميزة، وكان قد طلب قهوته الأولى عند الساعة العاشرة والنصف بسعر، وحين طلب قهوة للمرة الثانية بعد ساعات تغير سعر القهوة بسبب التغير في سعر صرف الدولار.
ففي غضون ثلاث ساعات، قفز سعر قهوته بمقدار 9000 ليرة لبنانية، أي ما يعادل 0.18 دولار في السوق الموازية، حيث تجاوزت العملة الوطنية الخمسين ألفًا أمام الدولار يوم الخميس، وهي المرة الأولى التي يتم فيها الوصول إلى هذا المستوى المتدني.
وترجع الزيادة المفاجئة إلى قيام المطعم بتسعير قائمته بالدولار وليس الليرة، وذلك مع انخفاض قيمتها إلى مستوى جديد.
ليست عملية احتيال
وتقول صحيفة "ذا ناشيونال" في تقريرها: "تخيل أنك تطلب فنجانًا من القهوة بسعر ما، ثم بعد ثلاث ساعات يتم تحصيل سعر أعلى لنفس المشروب الساخن، قد تعتقد أنها كانت عملية احتيال لكنها حقيقة مؤسفة للبنانيين الذين يعيشون في أزمة عملة غير مسبوقة".
الدفع بسعر الدولار في السوق الموازية
ويمكن للعملاء دفع الفاتورة بالدولار أو بالعملة المحلية، ولكن بسعر السوق الموازية، الذي يظل شديد التقلب ويمكن أن يخضع لتغييرات مفاجئة في غضون ساعات فقط.
بعد أن تم ربط عملتها عند 1500 مقابل العملة الأميركية، فقدت الليرة اللبنانية الآن 97 في المائة من قيمتها منذ بداية الأزمة بسبب النقص الحاد في الدولار، الذي أوقع 80% من السكان في براثن الفقر وقاد البلاد إلى الانهيار المالي.
اختفاء الليرة من القوائم
وتحولت المزيد والمزيد من المطاعم إلى الدولار بدلاً من الليرة اللبنانية، التي تختفي تدريجياً من القوائم.
يقول أصحاب المطاعم: إنه ليس لديهم خيار آخر "بسبب تقلب الليرة اللبنانية، يقبل موردونا الدولار فقط".
وقال: إن الزيادات في الأسعار غطت أيضًا النفقات الصاروخية مثل الغاز والكهرباء، حيث يتعين على المطاعم الاعتماد على موردي المولدات الخاصة باهظة الثمن في ظل الغياب شبه الكامل للكهرباء الحكومية، ومع ذلك، فإن الرواتب ليست بالكامل بالدولار ولكنها تُدفع كمزيج من كلا العملتين.
وتأتي هذه الخطوة تماشيا مع التعميم الذي أصدره وزير السياحة اللبناني في تصريف الأعمال وليد نصار في يونيو الماضي، وهو قرار وصفه بـ"الاستثنائي والاختياري" الذي يسمح للمشاريع السياحية بعرض أسعارها بالدولار، لذا فأصحاب المطاعم ليسوا الوحيدين الذين اتخذوا الخطوة للتحوط من مخاطر الصرف.
ويتم استخدام الدولار الآن في عدد متزايد من المعاملات، بما في ذلك الأجهزة المنزلية والملابس والتأمين الصحي ورسوم الإيجار والتعليم؛ ما يشير إلى التحول التدريجي للاقتصاد.
قانون حماية المستهلك
وقال محامي الضرائب كريم ضاهر: "قانون حماية المستهلك ينظم اختيار العملة للمعاملات الاقتصادية: على التجار عرض الأسعار وطباعة الفاتورة بالليرة اللبنانية حسب المادتين 5 و 25".
الدولرة الفوضوية للاقتصاد اللبناني
وأضاف: "الدولرة الفوضوية للاقتصاد، التي تحدث حاليًا، تعد انتهاكًا لقانون حماية المستهلك. إذا تحرك لبنان نحو اقتصاد قائم على الدولار، فستحتاج السلطات إلى اعتماد الإطار القانوني المناسب وليس فقط القرارات المؤقتة.
بالنسبة للبعض، قد تكون الدولرة هي الحل للبنان"، فقال هاني بحصلي، رئيس الشركة: "إنها أفضل طريقة للمستهلكين للتأكد من أنهم يدفعون سعرًا عادلًا، حيث لن يحتاج التجار إلى زيادة هامشهم للحد من تعرضهم لتقلبات الليرة اللبنانية، على الأقل بالنسبة لواردات المواد الغذائية".
لكن خبراء آخرين يخشون من أن الفاعلين الاقتصاديين يستغلون الوضع لخدمة مصالحهم، حيث إن تكلفة بعض السلع والخدمات لا تعتمد كليًا على الدولار.
عواقب وخيمة لدولرة الاقتصاد
قال الباحث كمال حمدان، رئيس قسم الاستشارات والبحوث: "في حالة المطاعم، على سبيل المثال، يتم احتساب جزء من تكاليفها بالتكاليف اللبنانية، مثل الرواتب، وبعض المنتجات يتم إنتاجها محليًا، مثل النبيذ".
وقال إن هذه الظاهرة عمقت فقط عدم المساواة بين أصحاب الامتيازات الذين يمكنهم الحصول على العملة الصعبة، وبقية السكان. وقال "الدولرة لها عواقب وخيمة على الغالبية العظمى من الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، والذين يتأثرون بشكل كبير بالتضخم الذي قلص قدرتهم الشرائية إلى النصف".
وشدد على أن الفوضى، مثل انهيار العملة، عادة ما تؤدي إلى "سلوك انتهازي".
وقال: "في عام 2022 سجل سعر المؤشر زيادة سنوية في المتوسط بلغت 174 في المائة، بينما ارتفع الدولار بنسبة 93 في المائة مقابل الليرة"، وهذا يعني أن جزءًا من التضخم، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم، الذي ارتفع إلى 189 في المائة في أول 11 شهرًا من العام الماضي مقارنة بالفترة نفسها قبل عام، لا يمكن تبريره بانهيار الليرة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم اتهام المستوردين والموزعين والتجار جميعًا منذ بداية الأزمة بالاستفادة من وضع العملة لزيادة هوامش ربحهم.
وقال السيد حمدان: "لقد تم السماح بذلك لأن الدولة لا تفرض أي تنظيم للأسعار، على الرغم من سن قانون المنافسة في عام 2022؛ لا يزال السوق اللبناني في حالة فوضى كاملة".