لبنان.. ضحية حزب الله والتباطؤ الدولي لمواجهة أنشطته

يتباطيء المجتمع الدولي في مواجهة حزب الله اللبناني

لبنان.. ضحية حزب الله والتباطؤ الدولي لمواجهة أنشطته
صورة أرشيفية

أوصى الاتحاد الأوروبي في جلسته المنعقدة مطلع الأسبوع الجاري، بضرورة إعلان جميع الدول الأعضاء لـ"حزب الله" اللبناني كمنظمة إرهابية، بجناحيه السياسي والعسكري، إلا أن مخاوف بعض دول التكتل من استهداف ميليشيات الحزب لمصالحها أرجأت قرار التصنيف، وبقي ذلك قيد المراجعة.   


ويقول تقرير لموقع "ساوث فرونت": إن بعض الدول الأوروبية تخشى استهداف مصالحها في الشرق الأوسط من جانب الميليشيا التابعة للتنظيم، كما تخشى أيضا من تنفيذ عمليات انتقامية على أراضيها، وهو ما يدفعها للتأني والحذر بشأن أي خطوات في هذا الصدد، خاصة أن التنظيم عزز إمكانيات ميليشياته العسكرية خلال السنوات الماضية بشكل مثير للقلق.


وتشير التقديرات إلى أن عدد المجندين في "حزب الله" تجاوز 65 ألف مقاتل، منهم 12 ألف مقاتل محترف، فيما يمتلك الحزب ترسانة ضخمة من الصواريخ يقدر عددها بنحو 50 إلى 120 ألف قطعة.


موقف معقد


ويرى رئيس المجلس الأوروبي للاستخبارات ودراسات مكافحة الإرهاب، جاسم محمد، أن موقف حزب الله أصبح معقدًا، خاصة بعدما تحول الحزب من كونه حركة مقاومة إلى حركة مسلحة، علاوة على أن دولا أوروبية أعلنت حظر الحزب بجناحيه السياسي والعسكري، واعتبرته منظمة إرهابية، وكانت ألمانيا على رأس هذه الدول.


وتتواصل حاليًا محاولات حثيثة من الاتحاد الأوروبي لإدراج الحزب بجناحيه السياسي والعسكري على قوائم الإرهاب؛ إذ إن التصنيف لا يشمل حاليًا سوى ميليشيات حزب الله العسكرية.


ويؤكد جاسم محمد أن إعلان ألمانيا سيشجع دولاً أوروبية أخرى على اتخاذ مسار مماثل، وكذلك بريطانيا، فهذه الخطوة كانت سابقة في السياسة الألمانية، وستنعكس على وجود حزب الله. 


أنشطة مشبوهة لحزب الله في ألمانيا


وفي 30 أبريل الماضي، قررت الداخلية الألمانية حظر جميع أنشطة حزب الله بشكل كامل على أراضيها، مبررة ذلك بأن الحزب استغل أراضيها لسنوات في جمع التبرعات وغسيل الأموال، والتجارة المشبوهة.

وطور خلال السنوات الماضية شبكة إجرامية قوية تستغل الأراضي الألمانية في تهريب المخدرات وغسيل الأموال، وفق ما نقلته لصحيفة "ذود دويتشه تسايتونغ" الألمانية عن مصادر أمنية.


حزب الله يوطن تجارة المخدرات في أوروبا


وعمل حزب الله على توطين تجارة المخدرات في أوروبا، فيؤكد تقرير صحيفة "ذود دويتشه تسايتونغ": "توثق السلطات الألمانية عمليات حزب الله لتهريب المخدرات بشكل جيد، حيث تصل شحنات المخدرات إلى ألمانيا قادمة من أميركا الجنوبية عبر القارة الإفريقية، في مسارات محددة رسمها حزب الله".


وتابعت: "وبجانب ميناء هامبورج الألماني، تصل المخدرات عادة إلى موانئ روتردام في هولندا وأنتويرب في بلجيكا، ويستخدم الحزب الأموال التي يجنيها من هذه التجارة في شراء الأسلحة وتمويل عملياته".


خطوة جريئة في النمسا


وفى خطوة جريئة، منتصف مايو الماضي، أعلنت النمسا حظر نشاط حزب الله اللبناني واعتبرته منظمة إرهابية، بجناحيه السياسي والعسكري، متجاوزة في ذلك سياسة الاتحاد الأوروبي للحظر التي تكتفي بحظر الذراع العسكرية فقط. 


وحينذاك، قال وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرج: إن "هذه الخطوة تعكس واقع الجماعة نفسها التي لا تميز بين الذراع العسكرية والسياسية".


تصنيف إرهابي في بريطانيا وهولندا


وفي يناير عام 2020، صنفت وزارة الخزانة البريطانية حزب الله بجميع أجنحته جماعة إرهابية كما قررت تجميد أرصدته، ولم تقف بريطانيا وحدها في خط المواجهة مع شبكات حزب الله في أوروبا، حيث اتخذت الداخلية الألمانية قرارا في أبريل الماضي، بحظر الحزب بجناحيه العسكري والسياسي.


وتعد هولندا أول دولة أوروبية تحظر حزب الله، ففي عام 2004، أعلنت أمستردام حظر أنشطة حزب الله بالكامل على أراضيها، لتصبح أول دولة أوروبية تتخذ هذا القرار.

فرنسا أبرز المعارضين


اللافت أن فرنسا ما زالت أبرز المعارضين لتوصية الاتحاد الأوروبي بإداج حزب الله بجناحيه على قوائم الإرهاب، لافتًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يصنف حاليًا الجناح العسكري للحزب على أنه جماعة إرهابية وليس الجناح السياسي. 


والمفارقة أن حزب الله هو في الوقت نفسه أحد أكبر الأحزاب في البرلمان اللبناني، الأمر الذي يجعل الفصل بين جناحي الحزب السياسي والعسكري مهمة صعبة وربما غير صائبة، مع استمرار معاناة اللبنانيين من ممارسات الحزب.


تدخل أوروبي ضعيف


وفي تصريحات لـ"العرب مباشر"، أكد المحلل السياسي اللبناني طوني بولس، أن التدخل الأوروبي ما زال ضعيفًا جدًا ولا يرقى لمستوى التهديد الذي يشكله حزب الله سواء على لبنان أو الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعدما تبين وجود خلايا إرهابية للحزب في أوروبا، وكشفت عنها الاستخبارات الألمانية وفي النمسا، وفي أكثر من دولة أوروبية تهدد الأمن الأوروبي. 


واعتبر بولس أن التدخل الأوروبي في لبنان لمواجهة حزب الله مرن جدًا، حتى أن الفرنسيين قبلوا الجلوس معهم على طاولة واحدة ومحاورتهم، وهو ما ينعكس سلبًا على الاستقرار الأوروبي؛ إذ إن ذلك يترك مجالاً للحزب ليسرح ويمرح، ويهيمن أكثر على لبنان، ويعتبر أن دولاً أوروبية كبرى وعضو في مجلس الأمن تحاوره وتتناقش معه وتعتبره أحد الفرقاء مثله مثل بقية الأحزاب الأخرى، بالرغم من أنه حزب مسلح يهدد اللبنانيين وسيطر على السياسة والسلطة في لبنان بالقوة.


دول أوروبا منصة لمخدرات حزب الله 


وأضاف: أنه تبين أن المخدرات التي تخرج من لبنان تستغل الدول الأوروبية كدولة ثالثة قبل توريد هذه السموم إلى السعودية، ما يعني أن الحزب يتعامل مع أوروبا كمنصة لتصدير مخدراته إلى الخارج، وذلك بسبب التراخي الأوروبي مع الحزب وعدم مطاردته وعدم إدراج جناحيه السياسي والعسكري على قوائم الإرهاب، لأنه لا فرق بين الجناحين، على حد وصفه.


 واعتبر أنه من أجل المراوغة وامتصاص الضغوطات الأميركية، التي كانت تود إدراج حزب الله على قوائم الإرهاب، اعتمد الأوروبيون السياسة الوسطى للتلاعب بالمصطلحات، مضيفًا أنه للأسف الأوروبيون ليسوا موحدين بسياسة واحدة، لاسيما الفرنسيين الذين لديهم مقاربة مختلفة تمامًا مع حزب الله؛ إذ يعتقد بعض الفرنسيين أنه طريق للوصول إلى مشاريع اقتصادية ومصالح اقتصادية في إيران تمر عبر حزب الله، وبالتالي لعدم إغضاب طهران يهادن الفرنسيون الحزب الإرهابي، وعليه تعرقل فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى إدراج حزب الله بجناحيه على قوائم الإرهاب. 


من أجل تحرك دولي لإنقاذ لبنان من حزب الله
وأكد المحلل السياسي اللبناني، أن إدراج حزب الله على قوائم الإرهاب، سيساعد لبنان بشكل أكبر، لأن ذلك سيؤكد للمجتمع الدولي أن هذا الحزب هو حزب مارق وخارج عن القانون الدولي والقانون المحلي، وأنه يسيطر على السلطة في لبنان ويتخذ من الشعب اللبناني رهينة له وحول لبنان إلى منصة لتصدير الممنوعات إلى الخارج، ومنصة لإطلاق الصواريخ وتخزينها في لبنان، وبالتالي حول النظام اللبناني إلى نظام مارق وخارج عن الشرعية الدولية، وهو أمر لا يريده اللبنانيون.


وحذر طوني بولس من أن حزب الله يسعى لتغيير وجه لبنان الحضاري والثقافي، وضرب القطاعات الأساسية التي تشكل وجه لبنان، وهي القطاعات المصرفية والاستشفاء والتعليم لأنه ببساطة حزب الله هو حزب ديني متطرف، يريد أن يقيم مشروعه على أنقاض الدولة اللبنانية والمؤسسات التي لطالما عرف بها لبنان وتميز بها.


ونوه بولس بضرورة تدويل القضية اللبنانية، وطرح موضوع حزب الله على مجلس الأمن الدولي لاتخاذ القرارات المناسبة لإنقاذ اللبنانيين من هذا الحزب، وإنقاذ هذا البلد العربي، معتبرًا أن هناك تقصيرا واضحا من جانب جامعة الدول العربية، والتي يمكن من خلالها رفع الموضوع إلى مجلس الأمن لاتخاذ موقف صارم في هذا الموضوع، لأن حزب الله يشكل تهديدً واضحا للأمن القومي العربي، وله امتدادات في اليمن ويقصف السعودية باستمرار، وضُبطت خلايا له في مصر وخلية العبدلي في الكويت، وحاول عمل انقلاب في البحرين، وقتل الشعب السوري بدعمه للنظام غير الشرعي، وحتى لم يسلم منه العراق، ويحاول حزب الله هناك مواجهة النظام الشرعي بخلايا رديفة تابعة لإيران.


واختتم المحلل السياسي اللبناني مؤكدًا على أن حزب الله يقوض المنظومة العربية والأمن القومي العربي، مشددًا على ضرورة اتخاذ قرار حاسم على مستوى المنظومة العربية ورفع هذا القرار إلى مجلس الأمن لتبنيه.