سوريا ما بعد الأسد.. الأقليات تحت النار ومصير العلويين في مهب الريح
سوريا ما بعد الأسد.. الأقليات تحت النار ومصير العلويين في مهب الريح
مع سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة جديدة من الفوضى والتوتر الطائفي، حيث تواجه الأقليات الدينية والعرقية، لا سيما العلويين، موجة من الانتهاكات والاستهداف المنهجي.
الأحداث الأخيرة، التي تضمنت حرق مقام المرجعية الأولى للعلويين في حلب والاعتداء على رموزهم الدينية، كشفت عن مدى الهشاشة الأمنية التي تعاني منها البلاد وعمقت مخاوف الأقليات حول مستقبلهم في سوريا الجديدة.
اعتداء على الرموز الدينية: نقطة التحول
تناقل ناشطون مقطع فيديو يوثق حرق مقام الشيخ "أبو عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي"، مؤسس الطائفة العلوية ومرجعيتها الأولى، في مدينة حلب، ويعد هذا المقام رمزًا دينيًا وثقافيًا للعلويين، الذين يشكلون شريحة أساسية من سكان سوريا، ما أثار موجة من الغضب والاستياء بين أبناء الطائفة.
وصف أبناء الطائفة هذا الهجوم بأنه محاولة مقصودة لطمس هويتهم واستهداف وجودهم في سوريا ما بعد الأسد.
وأشاروا، أن تدمير المقام يمثل مؤشرًا خطيرًا على مستقبل السلامة الطائفية، خاصةً في ظل تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة التي باتت تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد.
ردة فعل العلويين
على إثر الحادثة، شهدت سوريا موجة من المظاهرات السلمية في عدة مدن ذات الأغلبية العلوية، مثل اللاذقية وطرطوس وحمص، خرج آلاف المتظاهرين للتنديد بالاعتداء على مقام الشيخ الخصيبي والمطالبة بحماية حقوق الأقليات.
لكن المظاهرات السلمية قوبلت برد عنيف من قبل قوات "الهيئة العامة للأمن الوطني"، التي أطلقت النار على المتظاهرين بحجة ملاحقة "خارجين عن القانون".
وقد أسفرت الاشتباكات عن مقتل شخصين وإصابة أربعة آخرين من قوات الهيئة، ما زاد من التوترات وأشعل فتيل مواجهات جديدة في مناطق العلويين.
ولا يقتصر الاستهداف على الطائفة العلوية فقط، بل يشمل أيضًا الأقليات الأخرى مثل الدروز والمسيحيين، الذين يواجهون انتهاكات يومية على يد الجماعات المسلحة المتطرفة.
تشير التقارير، أن عناصر الهيئة والمجاهدين الأجانب المنضوين تحت رايتها يمارسون سياسات تنكيل ممنهجة بحق الأقليات، تشمل الاستيلاء على الممتلكات، التهجير القسري، والاعتداء على الرموز الدينية.
العلويون، الذين لعبوا دورًا محوريًا في بنية النظام السابق، يجدون أنفسهم اليوم في مرمى نيران الانتقام الطائفي، وسط غياب أي ضمانات دولية أو محلية لحمايتهم.
السلطة الجديدة
والتصعيد الحالي في سوريا يُظهر أن السلطة الجديدة، التي تتألف من تحالفات متناقضة بين الجماعات المسلحة المختلفة، تفتقر إلى رؤية شاملة لإدارة البلاد بعد سقوط النظام.
استمرار استهداف الأقليات وعدم احترام حقوقهم يهدد بإشعال حرب أهلية جديدة، قد تكون أشد ضراوة من الصراع الذي شهدته البلاد خلال العقد الماضي.
تعيش سوريا اليوم لحظة حرجة من تاريخها، حيث يتداخل فيها الصراع الطائفي مع الفوضى السياسية. مستقبل البلاد يعتمد بشكل كبير على قدرة السلطة الجديدة على تحقيق التوازن بين مكوناتها المختلفة وضمان حماية الأقليات، في غياب هذا التوازن، قد تتحول سوريا إلى مسرح جديد للحروب الطائفية والانقسامات الداخلية التي ستعصف بأي محاولة لإعادة بناء الدولة.
ويقول المحلل السياسي سلمان الشيب: إن الوضع الحالي في سوريا يشير إلى معركة مزدوجة تواجهها الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، فمن جهة، هناك تحدي إعادة بناء الدولة وضمان الأمن في ظل الفوضى التي خلفها سقوط نظام الأسد، ومن جهة أخرى، هناك خطر تحول هذه العملية إلى استهداف ممنهج ضد الأقليات والطوائف التي ينظر إليها على أنها مرتبطة بالنظام السابق.
وأضاف شيب - في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، بإن التصعيد ضد العلويين، سواء كان نتيجة رد فعل انتقامي أو صراع على النفوذ، يشكل تهديدًا خطيرًا للسلم الأهلي في البلاد، حرق مقام الشيخ الخصيبي في حلب هو مؤشر مقلق، لأنه يستهدف الهوية الثقافية والدينية لهذه الطائفة، ما يعمق الشعور بالعزلة والخوف لديهم.