الأمطار تفاقم معاناة النازحين اللبنانيين: لا مأوى ولا حماية

الأمطار تفاقم معاناة النازحين اللبنانيين: لا مأوى ولا حماية

الأمطار تفاقم معاناة النازحين اللبنانيين: لا مأوى ولا حماية
النازحين اللبنانيين

وسط عاصفة من التصعيد العسكري الإسرائيلي وغياب خطط فعّالة لإيواء النازحين، يعيش اللبنانيون من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت في ظروف إنسانية كارثية.

 تتوالى أخبار المعاناة على خلفية غارات إسرائيلية مكثفة، بينما يواجه النازحون أوضاعاً قاسية تفاقمها الأمطار الغزيرة، حيث افترش العديد منهم الطرقات والساحات العامة دون أدنى حماية أو مأوى. 

يعكس هذا المشهد مشهداً أكثر عمقاً من مجرد نزوح، فهو يمثل انعكاساً للأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تحاصر لبنان منذ سنوات.

*نقص مراكز الإيواء*

أزمة النازحين في لبنان تأخذ أبعاداً أكثر مأساوية مع كل يوم يمر، حيث أدى نقص مراكز الإيواء الملائمة التي خصصتها السلطات اللبنانية إلى افتراش الآلاف من النازحين للطرقات والساحات العامة وحتى الحدائق العامة.

هؤلاء النازحون، الهاربون من جحيم الغارات الإسرائيلية المكثفة التي تستهدف الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت، وجدوا أنفسهم بلا مأوى يحميهم أو خيم تقيهم من عوامل الطبيعة، لتأتي الأمطار لتزيد من معاناتهم.

في ليلة الثلاثاء، هطلت الأمطار بغزارة على النازحين الذين كانوا نياماً في العراء دون أي حماية، حيث لم يتمكنوا من إيجاد سقف يقيهم وأطفالهم من المطر. 

غادر العديد من هؤلاء النازحين منازلهم في عجلة دون أن يحملوا معهم أية أمتعة أو تجهيزات، ما جعلهم في مواجهة ظروف مأساوية مع استمرار التصعيد العسكري.

*تفاقم الأزمات*

الأوضاع تفاقمت بسبب التخبط الذي تعاني منه السلطات اللبنانية في تنظيم مراكز الإيواء، فبالرغم من أن المواجهات العسكرية على الحدود بين حزب الله والجيش الإسرائيلي ليست وليدة اللحظة بل تمتد لأكثر من عام، إلا أن التجهيزات لإيواء النازحين بقيت غير كافية.

حتى أولئك الذين لجأوا إلى المدارس أو مراكز الإيواء يعانون من نقص في الخدمات والتنظيم، مما زاد من انتقادات المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للوضع المتردي.

تزامنت هذه الأزمة الإنسانية مع تنفيذ الجيش الإسرائيلي ست غارات عنيفة استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، مساء الاثنين، وحتى صباح الثلاثاء، وذلك بعد دعوة الجيش الإسرائيلي لسكان ثلاثة أحياء في تلك المنطقة لإخلاء منازلهم.

هذه الغارات أسفرت عن المزيد من الفزع والتشرد بين السكان، بينما تواصل القوات الإسرائيلية توغلها في عدة قرى حدودية جنوبية.

*أعداد متزايدة من النازحين*

منذ بدء التصعيد العسكري في الثامن من أكتوبر، والذي اعتبره حزب الله تضامناً مع غزة، ارتفعت أعداد النازحين من الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لتصل إلى نحو مليون شخص، وفقًا لتصريحات الحكومة اللبنانية.

هذا النزوح الجماعي يعكس حجم الخطر والدمار الذي يواجهه سكان تلك المناطق، حيث إن الغارات المكثفة التي شنّها الجيش الإسرائيلي على مدار الأسبوع الماضي أسفرت عن مقتل أكثر من 700 شخص، وفقاً للتقارير المحلية.

الهروب من الموت لم يكن مقتصرًا على الداخل اللبناني فقط، بل دفع نحو 100 ألف شخص إلى عبور الحدود اللبنانية نحو سوريا، حسبما أعلن فيليبو غراندي، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين.

 عبر منصة "إكس"، أوضح غراندي، أن "عدد الأشخاص الذين عبروا إلى سوريا بسبب الغارات الإسرائيلية بلغ 100 ألف، بينهم لبنانيون وسوريون"، مشيراً إلى أن حركة النزوح مستمرة مع تزايد العمليات العسكرية.

في ظل هذه الكارثة الإنسانية، تواجه السلطات اللبنانية صعوبة بالغة في التعامل مع الأعداد الكبيرة من النازحين وسط تدهور اقتصادي غير مسبوق منذ عام 2019.

الانهيار الاقتصادي أثر بشدة على قيمة العملة المحلية، مما حرم اللبنانيين من قدرتهم على سحب أموالهم ومدخراتهم من المصارف، الأمر الذي عمق الأزمة الإنسانية في البلاد.

إذ أصبح النازحون لا يملكون سوى الأمل في توفير أدنى مقومات العيش لهم ولأطفالهم، في ظل واقع اقتصادي وسياسي متدهور يضاعف من معاناتهم.

*البحث عن الأمان*

يجلس إبراهيم سعد، الذي فقد منزله وذكرياته، ليحكي قصته المؤلمة، قائلًا: "عندما دوت أصوات القذائف، لم يكن أمامنا خيار سوى الهروب، تركت كل شيء خلفي، فقط لأبحث عن الأمان".

ومع تساقط المطر، يختبئ إبراهيم و في زاوية الشارع، تحت بطانية ممزقة، يواجه قسوة الطقس والبرد القارص.

يؤكد أن الأمل يتلاشى مع كل قطرة مطر تسقط على رأسه، بينما تزداد معاناة أسرته التي تركت في منفى عشوائي بلا مأوى.

في السياق ذاته، تجوب ريم، الأم العازبة، الشوارع مع أطفالها الثلاثة، بحثًا عن مكان آمن، تقول ريم: "لم أكن أتخيل يومًا أن أعيش هذه الكابوس".

وتابعت ريم - في حديثها لـ"العرب مباشر"-، ننام في الحدائق العامة ونطلب الطعام من المارة، ويومًا بعد يوم، تكافح ريم لمواجهة شبح الجوع والخوف، حيث تحاول العثور على مكان آمن دون أي أمل في أن تعود إلى حياتها الطبيعية، ومع كل ابتسامة يحاول أطفالها إظهارها، تشعر ريم بثقل المسؤولية، وتخاف من أن تظل هذه المحنة بلا نهاية.

رغم الألم الذي يعيشه النازحون، يظل في قلوبهم شعلة من الأمل.

 يقول سامي، أحد النازحين: "نحن نؤمن بأن هذا الوضع سيتغير يومًا ما، نحن نحب الجنوب وسنعود إليه".

يتجمع النازحون معًا، يتبادلون القصص والأحلام، ويزرعون الأمل في نفوس بعضهم البعض. "لن ننسى بيوتنا، وستبقى ذكرياتنا معنا، سينتهي العدوان الإسرائيلي كما انتهى مرات عديدة من قبل، فنحن نستحق حياة كريمة، هذه الروح الصامدة تعكس قدرة اللبنانيين على مواجهة الأزمات والتكيف مع التحديات، رغم كل ما يمرون به.