من الدوحة إلى أنقرة: تحذيرات لقيادات حماس في تركيا من الاستهداف الإسرائيلي 

من الدوحة إلى أنقرة: تحذيرات لقيادات حماس في تركيا من الاستهداف الإسرائيلي 

من الدوحة إلى أنقرة: تحذيرات لقيادات حماس في تركيا من الاستهداف الإسرائيلي 
أردوغان وخالد مشعل

أعاد الهجوم الإسرائيلي على قيادات من حركة حماس في الدوحة خلط الأوراق مجددًا، وأشعل نقاشًا واسعًا داخل تركيا حول احتمال امتداد الاستهداف الإسرائيلي إلى أراضيها. 

فأنقرة التي تحولت خلال العقد الأخير إلى محطة أساسية لقيادات الحركة، لطالما تباهت بكونها حاضنة سياسية وإنسانية للقضية الفلسطينية، لكنها تجد نفسها اليوم أمام معادلة شديدة التعقيد، كيف توازن بين دعمها العلني لحماس ومصالحها الإقليمية من جهة، وبين مخاطر تعرضها لهجمات أو عمليات استخبارية إسرائيلية من جهة أخرى، التحذيرات التي وصلت من الدوحة إلى أنقرة لم تأتِ من فراغ، بل ارتبطت بسجل طويل من محاولات إسرائيلية لاختراق الساحة التركية عبر شبكات تجسس وعمليات سرية، بعضها أُحبط على يد الاستخبارات التركية، لكن التطورات الأخيرة، بما في ذلك اغتيال إسماعيل هنية في إيران، وهجوم قطر، أثارت تساؤلات جدية، هل ستتجرأ إسرائيل على نقل ساحة التصفيات إلى قلب تركيا، أم أن أنقرة ستنجح في إغلاق الباب أمام هذا السيناريو؟

تحذيرات من الدوحة.. إلى أنقرة


بحسب مصادر مطلعة، سارعت قيادات حركة حماس المقيمة في قطر إلى إرسال تحذيرات عاجلة إلى نظرائهم في تركيا عقب الهجوم الإسرائيلي الأخير على الدوحة. التحذيرات حملت نبرة قلق واضحة.

ووفقًا لمصدر مطلع أكد لـ"العرب مباشر"، أن القيادات دعت إلى اتخاذ إجراءات أمنية استثنائية خشية أن تكون أنقرة الهدف المقبل، خصوصًا أن عمليات الاغتيال لا تستدعي بالضرورة ضربات عسكرية مباشرة، بل يمكن أن تنفذ عبر فرق ميدانية تنسب أفعالها لمجهولين.

وأضاف المصدر، أن تركيا، التي استضافت في الأعوام الأخيرة لقاءات رفيعة بين مسؤوليها وقيادات حماس، تعلم أن وجود هؤلاء على أراضيها بات جزءًا من الحسابات الإسرائيلية في حربها المفتوحة ضد الحركة، فبعدما كان الحديث عن ضربات عسكرية علنية داخل تركيا أمرًا مستبعدًا، باتت احتمالية لجوء إسرائيل إلى عمليات سرية أكثر رواجًا في النقاشات السياسية والإعلامية.

غياب لافت وصمت رسمي


منذ عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023 وما تبعها من حرب إسرائيلية واسعة على غزة، تغيرت أنماط تحرك قيادات حماس في تركيا، الغياب عن الفعاليات العامة، حتى تلك التي تنظمها جمعيات تركية داعمة للقضية الفلسطينية، بات سمة واضحة، ولم يعد القادة يظهرون إلا في لقاءات محدودة برعاية رسمية، غالبًا في أنقرة أو إسطنبول، حيث تخضع تحركاتهم لرقابة شديدة.

ورغم الجدل الواسع الذي أثاره هجوم الدوحة، لم يصدر عن الرئاسة التركية أي موقف مباشر بشأن ما إذا كانت أنقرة تستعد لاحتمال مماثل، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة، برهان الدين دوران، اكتفى بإدانة استهداف قطر ووصفه بانتهاك للقانون الدولي، دون الخوض في تداعياته على الداخل التركي.

هذا الصمت الرسمي يعكس إدراكًا لحساسية الموقف: أنقرة لا تريد أن تبدو كملاذ قيادي لحماس، وفي الوقت نفسه ترفض أن تُصوَّر عاجزة عن حماية سيادتها.

بين موساد والاستخبارات التركية


تاريخ العلاقة الاستخبارية بين أنقرة وتل أبيب حافل بالشد والجذب، لكن السنوات الأخيرة شهدت تصعيدًا نوعيًا، ففي 2023، أعلنت السلطات التركية إحباط محاولات خطف واغتيال استهدفت فلسطينيين على أراضيها، بعضها مرتبط بمشاريع حساسة مثل برامج إلكترونية عسكرية.

من أبرز تلك الحوادث محاولة اختطاف المهندس الفلسطيني عمر البلبيسي، المتهم إسرائيليًا بالمشاركة في تعطيل منظومة "القبة الحديدية".

عمليات موساد داخل تركيا لم تتوقف، لكنها غالبًا جوبهت برد استخباراتي مضاد من جهاز "إم آي تي"، ومع ذلك، تبقى قدرة إسرائيل على إدارة شبكاتها واسعة، خاصة مع وجود جالية فلسطينية كبيرة في إسطنبول وأنقرة، ما يتيح فرصًا للمراقبة والتجنيد وجمع المعلومات.

هجوم الدوحة كسابقة مقلقة


اغتيال قيادات حماس عبر ضربات صاروخية في الدوحة مثّل تطورًا نوعيًا غير مسبوق في أسلوب إسرائيل، فالعملية نُفذت في بلد يستضيف قاعدة أمريكية كبرى ويُعد حليفًا لواشنطن، ما فتح الباب أمام سيناريوهات أكثر جرأة.

في نظر محللين إسرائيليين مثل مائير المصري، قد تكون تركيا هي "المحطة التالية"، خصوصًا في ظل علاقات أردوغان المتقلبة مع تل أبيب وتصريحاته الحادة بعد الهجوم على قطر، لكن ثمة فارق جوهري بين قطر وتركيا، الأولى اعتمدت سياسة "الأبواب المفتوحة" مع حماس ضمن رعاية سياسية ومالية محددة، بينما جعلت أنقرة حضور الحركة جزءًا من خطابها السياسي العلني، بل واستثمرته لتعزيز مكانتها الإقليمية، من هنا، فإن أي استهداف داخل تركيا لن يكون مجرد رسالة إلى حماس، بل سيكون تحديًا مباشرًا لهيبة الدولة التركية.

السماء ليست آمنة دائمًا


حادثة اختراق المقاتلات الإسرائيلية للمجال الجوي التركي في يونيو الماضي خلال هجوم تل أبيب على أهداف في إيران، كشفت هشاشة الوضع الأمني، ورغم أن الطائرات الإسرائيلية انسحبت بعد تدخل المقاتلات التركية، فإن الواقعة تركت انطباعًا بأن أنقرة قد لا تكون بمنأى عن رسائل عسكرية مفاجئة، ومع تصاعد التوتر، يزداد السؤال إلحاحًا، هل يكتفي الإسرائيليون بالعمليات السرية، أم أن السيناريو العسكري العلني مطروح أيضًا.

الرئيس رجب طيب أردوغان لم يتردد في إدانة هجوم الدوحة ووصفه بأنه "عدوانية تقود المنطقة نحو الكارثة"، لكنه في الوقت ذاته يدرك أن المضي في احتضان حماس قد يجلب صدامًا مع إسرائيل في وقت تسعى فيه تركيا لتعزيز موقعها الاقتصادي والدبلوماسي، خاصة بعد الانفتاح الأخير على الخليج وإعادة تطبيع العلاقات مع بعض الدول الغربية، المعادلة إذن معقدة: تركيا لا تريد التخلي عن دورها كمدافع عن القضية الفلسطينية، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع تحمل ثمن أن تتحول إلى ساحة اغتيالات إسرائيلية.