وثائق سرية مسرّبة تكشف بدء تصنيع مقاتلات سو-35 الإيرانية في روسيا
وثائق سرية مسرّبة تكشف بدء تصنيع مقاتلات سو-35 الإيرانية في روسيا
تشير وثائق روسية مسرّبة مؤخرًا إلى أن صفقة المقاتلات سو-35 المتعثرة منذ سنوات بين موسكو وطهران انتقلت من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفيذ الفعلي. فالمراسلات الداخلية الصادرة عن قطاعات الصناعات العسكرية الروسية تكشف أن 16 مقاتلة من طراز سو-35، مخصّصة لسلاح الجو الإيراني، بدأت بالفعل مرحلة التجميع ضمن عقد تصدير خاص، على أن يتم التسليم بين عامي 2025 و2027، حسبما كشفت صحيفة "المونيتور" الأمريكية.
وتمثّل هذه الخطوة، في حال اكتمالها، أكبر دفعة نوعية لقدرات أسطول المقاتلات الإيراني الذي يعاني من التقادم منذ عقود طويلة.
صفقة تعيد التوازن للعلاقات العسكرية
تسلّط الوثائق الضوء على اختلال ظلّ يميّز العلاقات العسكرية بين البلدين في السنوات الأخيرة.
ففي حين قدّمت إيران لموسكو طائرات مسيّرة من طراز شاهد وصواريخ قصيرة المدى أصبحت عنصرًا محوريًا في العمليات الروسية داخل أوكرانيا، كانت روسيا في المقابل تعِد إيران بمقاتلات متطورة، لكنها بدت عاجزة عن التنفيذ نتيجة ضغوط العقوبات الدولية وخسائرها العسكرية وتقلّص قدرتها على التصدير.
تفاصيل العقد ومسار الإنتاج
بدأ الكشف عن الوثائق المسربة في 28 نوفمبر عبر منصة التحقيقات الأوكرانية UNITED24، قبل أن تتداولها وسائل إعلام إقليمية. وتُظهر الوثائق سلسلة أوامر مرتبطة بعقد التصدير المشار إليه بالرمز R/1936411141768، وتسمّي الجهة المستوردة بالرمز K10، الذي ورد ذكره صراحة في إحدى المراسلات على أنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وبحسب الوثائق المؤرخة بين مارس 2024 وسبتمبر 2025، تتولى مصانع حكومية روسية تنفيذ الدفعة الأولى المكوّنة من 16 مقاتلة، على أن تُدمج بالكامل لصالح سلاح الجو الإيراني.
ويظهر مصنع يوري غاغارين للطائرات في مدينة كومسومولسك-نا-آمور في أقصى الشرق الروسي، وهو خط التجميع الرئيس لطائرة سو-35، كمركز إنتاج أساسي للبرنامج.
وتكشف الوثائق أيضًا توريد مكونات رئيسية، مثل أجزاء مقاعد القذف وأنظمة الاستشعار، من شركات روسية أخرى بينها مصنع زفيزدا قرب موسكو، ومصنع الأدوات الثاني في موسكو. وتشير أوامر الإنتاج إلى تصنيع طائرات جديدة بالكامل وليس إعادة تأهيل هياكل قديمة.
الملحقات الفنية المرفقة تؤكد أن المقاتلات ستكون مجهّزة وفق معايير التصدير، ومهيأة لجميع الظروف المناخية، ومرفقة ببيانات فنية باللغة الإنجليزية وباستخدام نظام القياسات
الأنجلوساكسوني، ما يؤكد أنها ليست مخصصة للقوات الروسية.
وتشير الوثائق إلى أن إيران سدّدت ثلاثة دفعات مالية خلال عام 2024، ما يعني أن البرنامج ممول بالكامل وجاهز للتنفيذ، وأن المصانع الروسية تعمل فعليًا على إنجاز الطائرات رغم تحديات الحرب في أوكرانيا.
حاجة ملحّة لتحديث سلاح الجو الإيراني
تأتي هذه الخطوة في ظل معاناة إيران المستمرة لتجديد أسطولها الجوي الذي يعتمد على منصات يعود معظمها إلى ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979 أو إلى مرحلة ما بعد الحرب الإيرانية-العراقية.
ويضم الأسطول الحالي طرازات مثل F-14A وF-4E وF-5، إلى جانب مقاتلات ميغ-29 وسو-24، وطائرات محلية مطوّرة من طراز صاعقة وكوثر.
ورغم الجهود المستمرة لتحديث الأنظمة الإلكترونية والتسليح، يعاني هذا الأسطول من نقص حاد في قطع الغيار وضعف في التوافق مع الأنظمة الحديثة وتراجع قدرته على الصمود في مواجهة دفاعات جوية متقدمة ومقاتلات الجيل الخامس.
وقد أدت العقوبات الغربية وحظر السلاح الأممي على إيران طوال العقود الماضية إلى تضييق خيارات طهران بشكل كبير. ففي التسعينيات، زوّدت نحو 12 دولة إيران بأسلحة ثقيلة، لكن بحلول منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة أصبحت روسيا والصين الموردين الرئيسيين. محاولات إيران عامي 2007 و2015 للحصول على نسخ من سو-30 لم تكتمل بسبب العقوبات والاعتبارات الروسية.
وتشير بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن روسيا وفّرت 98% من واردات الأسلحة الإيرانية بين 2015 و2019، وأصبحت المورد الوحيد تقريبًا بين 2020 و2024، رغم تراجع صادراتها العسكرية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة تفوق 80%.
هشاشة سلاح الجو الإيراني
أسهمت المواجهة التي استمرت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل في يونيو في توتير العلاقات بين موسكو وطهران.
فقد ركزت الغارات الإسرائيلية على مراكز القيادة والسيطرة ومنظومات الدفاع الجوي ومواقع الصواريخ الباليستية والبنية التحتية المرتبطة ببرنامج إيران النووي.
واستُهدفت قواعد جوية عدة، وتفيد تقارير إسرائيلية وإقليمية بأن ما لا يقل عن 15 منصة جوية، بينها F-14 وF-5، قد دُمّرت.
ورغم اتساع نطاق الضربات، فإن توزيع الأهداف أظهر أن سلاح الجو الإيراني لم يكن يمثل تهديدًا مركزيًا في نظر إسرائيل. في الوقت ذاته، بقيت روسيا على هامش المشهد، في إشارة إلى
محدودية استعدادها للتدخل المباشر لصالح طهران.
ومن هذا المنظور، تكتسب صفقة سو-35 أهمية سياسية واستراتيجية كبيرة، إذ تمثّل تعويضًا إيرانيًا عن الدعم الجوي الذي لم تتلقه من موسكو خلال تلك الأزمة، كما تعزّز قدرة روسيا على الحفاظ على خطوط الإنتاج واستعادة ثقة المشترين المحتملين، مثل الجزائر.
قدرات سو-35 وحدود تأثيرها
رغم أن امتلاك إيران لمقاتلات سو-35 لن يضعها في مستوى التكافؤ مع إسرائيل أو دول الخليج، إلا أنه سيجبر المخططين العسكريين في الطرفين على إعادة تقييم افتراضاتهم بشأن القدرات الجوية الإيرانية.
فالمقاتلة سو-35 تمثل تحديثًا عميقًا للطائرة سو-27، بهيكل معزز، ونظام تحكم رقمي، وسعة وقود موسعة. وباقترانها بصواريخ جو-جو بعيدة المدى من طراز R-37M، ستوفر لإيران تغطية جوية أوسع، وقدرة على اكتشاف التهديدات والتعامل معها من مسافات أكبر.
مع ذلك، تستمر التحديات. إذ يتطلب بناء كوادر طيّارين مهرة ساعات تدريب وتحليق سنوية أعلى بكثير مما تحققه إيران حاليًا. كما سيبقى نظام الصيانة وقطع الغيار عرضة للعقوبات والصعوبات الصناعية الروسية.
وفي أي مواجهة مستقبلية، ستصطدم هذه المقاتلات بطائرات مثل F-35 وF-15 ورافال وتايفون، والمدعومة بأنظمة إنذار مبكر وشبكات قيادة وسيطرة متقدمة.
يرى الصحفي المتخصص في الشؤون الدفاعية أكرم خريف، أن التسريب واقعي، لكنه يعكس محدودية ما يمكن أن تقدمه موسكو فعليًا. ويقول خريف: إن الطاقة الإنتاجية الحالية لا تسمح ببناء أكثر من أربع إلى ست طائرات سنويًا، ما يطرح تساؤلات حول التزام روسيا بالجدول الزمني المعلن.
ويشير خريف إلى أن اختيار موسكو لطراز سو-35 بدلًا من السو-57 كان قرارًا سياسيًا مدروسًا، يحقق توازنًا بين تلبية الاحتياجات الإيرانية وبين تجنب الإخلال بالتوازنات الإقليمية. فإيران بحاجة ماسة إلى مقاتلة ذات قدرة على القتال خلف مدى الرؤية، وهو ما توفره سو-35.
ويضيف: أن تراجع قدرة إيران على التحليق بحرية في الأجواء السورية والعراقية يجعلها بحاجة إلى قدرات جوية متقدمة تستطيع من خلالها تنفيذ دوريات أعمق والتصدي للتهديدات قبل وصولها إلى أجوائها الوطنية.

العرب مباشر
الكلمات