تقرير سري للأمم المتحدة.. طالبان تدفع أفغانستان نحو ثورة جياع
تدفع طالبان أفغانستان نحو ثورة جياع
كشف تقرير داخلي للأمم المتحدة عن مخاوف دولية بشأن تجاوزات حركة طالبان الإرهابية، أبرز المخاوف تتعلق بإساءة معاملة النساء والأطفال، وقمع وسائل الإعلام، واستهداف نشطاء المجتمع المدني، وإغلاق منظمات حقوق الإنسان، والاستعاضة عن التعليم العام بالتلقين الديني المتطرف، ويذكر التقرير الذي أعدته بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (UNAMA) حول وضع حقوق الإنسان في أفغانستان والذي صدر سريًا في شهر مايو الماضي، تفاصيل الانتهاكات والتجاوزات الصارخة التي ارتكبتها إدارة طالبان، كما يوضح التقرير أنه على الرغم من ما يقرب من مرور عام من التسليم بوجود حركة طالبان كحكومة أفغانية بحكم الأمر الواقع، إلا أن الأمم المتحدة لم تحدث فرقًا يذكر في تجاهل الإسلاميين لحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحصول على الغذاء والتعليم.
استغلال طالبان
"فورين بوليسي" الأميركية أكدت في تقرير لها أن الأشهر العشرة التي انقضت منذ استعادة طالبان للبلاد، بفضل ما يسمى باتفاق السلام الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وقرار الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن بالمضي قدمًا في انسحاب جميع القوات الأميركية، فقد تراجعت البلاد بسرعة مذهلة، كما قلبت حركة طالبان معظم أوجه التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي تحققت في العشرين عامًا من عمر الجمهورية الأفغانية، موضحة أن أحد التعقيدات الكبيرة هو أن المانحين الدوليين لا يقدمون أموالاً لطالبان، بل يضخون التمويل بدلاً من ذلك من خلال قنوات أخرى، لكن الأمم المتحدة اتخذت خطوات كبيرة أمام المنظمات الخيرية وغير الحكومية الأصغر التي تعمل في أفغانستان، والتي يقولون إن الحركة تجعل من الصعب عليهم القيام بعملهم وضمان وصول الأموال إلى الشعب الأفغاني، وتقول مصادر في قطاع المساعدات الأفغانية: إن سيطرة طالبان على المنظمات غير الحكومية المحلية تتيح لهم الوصول إلى الإمدادات التي يتم إعادة توجيهها في كثير من الأحيان إلى مؤيديهم وجنودهم، وأكدت المجلة، أن زلزال 22 يونيو الذي بلغت قوته 6.1 درجة والذي دمر أجزاء من إقليم خوست وإقليم باكتيكا الشرقيين، وأسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى سلط الضوء على الافتقار إلى التنظيم والرقابة على القطاع، وقال رئيس منظمة غير حكومية محلية، طلب عدم الكشف عن هويته حفاظًا على سلامتهم، "لا تملك أي منظمة غير حكومية محلية كانت أم دولية القدرة على تحدي السلطات"، وتابع: إن الأطباء والمتخصصين في الاستجابة للطوارئ كانوا من بين الآلاف الذين غادروا البلاد بعد استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021، كما تم فصل العديد من أولئك الذين بقوا مع قيام النظام الجديد بإزالة بقايا الجمهورية.
نقص الغذاء
ووفقًا للمجلة الأميركية، فقد وجهت الأمم المتحدة نداء لتقديم ما يقرب من خمسة مليارات دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في أفغانستان هذا العام، قائلة: إن حوالي نصف السكان، الذين يقدر عددهم بنحو 38 مليون شخص، يواجهون نقصًا خطيرًا في الغذاء، وتابعت إنه يتم تسليم المساعدات إلى حد كبير من قِبل الشركاء المحليين، فهناك 4 آلاف منظمة غير حكومية مسجلة في أفغانستان، كما قالت المصادر، على الرغم من أن نصفها فقط يعمل، وأضافت أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قد سمع في إيجاز يوم الخميس الماضي حول الوضع في أفغانستان، أنه على الرغم من التدابير المتخذة لضمان عدم تمكن طالبان من الحصول على أموال المساعدات الدولية، ووعود طالبان بأنهم لن يحاولوا حتى الاستيلاء على هذه المساعدات، فإن الحكومة الجديدة "تسعى بشكل متزايد للعب دور في اختيار المستفيدين وتوجيه المساعدة إلى الأشخاص على قوائم أولوياتهم الخاصة، وأشارت إلى أنه على الرغم من ضغوط بعثة الأمم المتحدة على حركة طالبان لتمرير المساعدات إلى الشعب الأفغاني، فإنه وفق لتقرير البعثة المكون من 3 صفحات فإن القليل من التقدم قد تم إحرازه في تحسين ظروف ملايين الأفغان.
جرائم حرب
ووفقًا للمجلة الأميركية، فإن التقرير عبارة عن موجز داخلي منتظم حول الوضع العام لحقوق الإنسان، يتم توزيعه على وكالات الأمم المتحدة، وكذلك سفارات الدول الأعضاء والأطراف المعنية الأخرى، وتابعت إن أحد الأسباب المحتملة لسرية التقرير هو الاعتقاد، كما هو الحال بأن الضغط الخاص أكثر فعالية من التشهير العلني، وقالت مصادر في قطاع الإغاثة: إن وكالات الأمم المتحدة في أفغانستان تخشى أن تدفع بأي انتقادات صريحة لطالبان ما يؤدي إلى تقليص عملياتها.
وأشارت إلى أن حركة طالبان لم تنتهك حقوق الإنسان للنساء والمواطنين الأفغان الآخرين فحسب، بل ذهبوا في فورة قتل ضد المعارضين في جميع أنحاء البلاد، وفقا لتقرير الأمم المتحدة، وأفادت مصادر داخل وخارج أفغانستان بأن طالبان ارتكبت جرائم حرب؛ حيث احتجزت وعذبت وقتلت عشرات الأشخاص بعد إضرام النار في منازلهم في وادي بنجشير بالقرب من كابول، حيث تتواصل مقاومة حكم طالبان، وفي أجزاء أخرى من الشمال أيضًا، قوبل القتال بأعمال انتقامية شرسة، وتشير وثيقة بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان إلى "عمليات قتل خارج نطاق القضاء، واعتقالات تعسفية واحتجاز، وتعذيب وسوء معاملة" للأشخاص المتهمين بالارتباط بجبهة المقاومة الوطنية، وهو ما يعرف بالعنف المباشر، لكن طالبان تمارس القسوة بشكل غير مباشر أيضًا.
تجنيد الأطفال
وذكر تقرير الأمم المتحدة أن النساء والأطفال يتأثرون بشكل غير متناسب بالفقر المدقع الناجم عن سوء الإدارة الاقتصادية لطالبان، كما أنهم عرضة "للاستغلال والإساءة، مثل الاتجار بالبشر، وبيع الأطفال، وزواج الأطفال والزواج القسري، وعمالة الأطفال، والعنف المنزلي".
وقال التقرير: إن طالبان تستبدل بعض المدارس العامة بالمدارس الدينية؛ حيث يتعرض الأطفال لخطر الإساءة والتطرف، كما أنه لا يزال يتم الإبلاغ عن تجنيد الأطفال واستخدامهم من قِبل سلطات الأمر الواقع.
وأشارت المجلة، إلى أنه طوال 20 عامًا من التمرد، استخدمت طالبان الجنود الأطفال في الخطوط الأمامية وزرع العبوات الناسفة التي تستهدف القوات الدولية، كما تم نشر الأطفال أيضًا كمفجرين انتحاريين، وغالبًا ما يتم أخذهم أو شراؤهم من عائلات فقيرة ويتم تربيتهم في المدارس الدينية في المناطق الحدودية الممتدة بين أفغانستان وباكستان، وهناك تم تدريبهم من سن 5 أو 6 سنوات على استخدام الأسلحة النارية وصنع العبوات الناسفة وغسل المخ مع وعود الجنة.
وأشار تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان إلى أن الحريات الأساسية "تظل عرضة للانتهاكات"، حيث لا يُسمح بآراء مخالفة، كما يتم استهداف النشطاء والصحفيين والعاملين في مجال الإعلام.
ثورة جياع
وبحسب المجلة، فإنه في الوقت الذي حذر تقرير الأمم المتحدة من أن خرق هذه الالتزامات سيؤدي حتمًا إلى اضطرابات مدنية، قالت بعض المصادر المقربة من طالبان: إن الإحباط المتزايد من الفقر المدقع وشبه المجاعة لملايين الناس وصل إلى نقطة الغليان.
وقال مصدر مقرب من قيادة طالبان طلب عدم الكشف عن هويته حفاظا على سلامته: "ستدمر طالبان نفسها إذا لم يهتموا باحتياجات جميع الناس، مضيفًا عدو طالبان هو المجاعة والجفاف وانعدام الأمن، فالتعاسة على وشك أن تفسح المجال للغضب الذي سيتحول لثورة جياع، وإذا بدأ واحد في المائة فقط من الناس القتال، فلن يكون هناك المزيد من طالبان".