قرار اللباس المحتشم يُشعل معركة الهوية في مستشفى جزائري
قرار اللباس المحتشم يُشعل معركة الهوية في مستشفى جزائري

أشعلت مذكرة داخلية صادرة عن إدارة مؤسسة استشفائية في ولاية المدية الجزائرية جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما تضمنت تعليمات تمنع ارتداء التنانير والسراويل القصيرة داخل المؤسسة الصحية، سواء من قبل الموظفين أو زوار المرضى.
جاء في مضمون القرار الذي نشر عبر القنوات الإدارية الداخلية للمستشفى، التأكيد على "ضرورة الالتزام باللباس المحتشم، بما يتماشى مع قواعد النظام الداخلي وأخلاقيات السلوك في المرافق العمومية".
تحديد صارم للهندام
المثير في التعليمة هو إدراج قائمة تفصيلية بالملابس الممنوعة، ومنها التنانير القصيرة، السراويل القصيرة، القمصان الكاشفة، والملابس التي توصف بأنها "فاضحة أو غير محتشمة"؛ مما فتح الباب واسعًا أمام نقاش اجتماعي وثقافي حول معنى الاحتشام وحدود التدخل في اللباس الشخصي، خصوصًا في الفضاءات غير التربوية أو الدينية.
غضب على مواقع التواصل
وانتشرت التعليمة كالنار في الهشيم على منصات التواصل، وانهالت التعليقات ما بين مؤيد ومعارض، ورأى كثيرون أن القرار ينطوي على تضييق على الحريات الشخصية، ولا يدخل ضمن صلاحيات المؤسسات الصحية التي يفترض أن تركز على تقديم الخدمات العلاجية لا فرض أطر أخلاقية أو سلوكية على الزوار.
وعلى الجانب الآخر، اعتبر البعض أن الخطوة جاءت نتيجة تصرفات غير لائقة سجلت مؤخرًا داخل المستشفيات، خاصة في فصل الصيف، ما دفع الإدارة إلى فرض معايير لضبط السلوك العام داخل المؤسسة.
المؤسسات العمومية غالبًا ما تستند إلى أنظمتها الداخلية في تنظيم السلوك داخل مرافقها، إلا أن غياب نص قانوني صريح يحدد طبيعة اللباس "المقبول" داخل المستشفيات، يجعل من هذه التعليمة محل جدل دائم.
أزمة أولويات؟
وسط هذا الجدل، ظهرت تساؤلات حول أولويات المؤسسات الصحية في الجزائر، حيث دعا كثيرون إلى التركيز على الملفات الأكثر إلحاحًا مثل نقص الأطباء والمعدات والظروف المتدهورة داخل بعض المستشفيات، بدلًا من الانشغال بمظهر الزائر أو الموظف.
وذهب البعض إلى اعتبار القرار محاولة لصرف الانتباه عن إخفاقات حقيقية داخل المنظومة الصحية، مستغربين انشغال إدارة المستشفى بشكل "اللباس" بدلًا من شكل الخدمات.
خلفيات ثقافية واجتماعية
رغم أن المسألة تبدو بسيطة في ظاهرها، إلا أن تداعياتها تعكس صراعًا أعمق بين الحداثة والتقاليد في المجتمعات المغاربية.
تبدو القرارات الإدارية المتعلقة باللباس في الفضاءات العمومية وكأنها مرآة لصراع غير محسوم بين قيم الانفتاح ومتطلبات "الاحتشام" التي تفرضها بعض التصورات الاجتماعية.
وقرار مستشفى المدية قد لا يكون الأخير، وربما يشكل سابقة تستنسخ في مؤسسات أخرى، ما لم يحسم الجدل على مستوى وطني.
فاللباس لم يعد مجرد اختيار فردي، بل صار مساحة جديدة للمواجهة بين المؤسسة والمجتمع، بين القانون والعرف، وبين الحرية والانضباط.
وفي بلد متعدد التوجهات والمرجعيات الثقافية، فإن أي تعليمة تمس المظهر الشخصي سرعان ما تتحول إلى قضية رأي عام، تمامًا كما حدث في هذه الواقعة التي ما تزال تداعياتها تتفاعل يومًا بعد يوم.