عودة الرفات وتفجير الغضب الإسرائيلي.. هل تعيد قضية «جثة مختطف» التصعيد؟

عودة الرفات وتفجير الغضب الإسرائيلي.. هل تعيد قضية «جثة مختطف» التصعيد؟

عودة الرفات وتفجير الغضب الإسرائيلي.. هل تعيد قضية «جثة مختطف» التصعيد؟
حرب غزة

أثارت إعادة تسليم بقايا جثة مختطف الجدل والغضب في إسرائيل، وفتحت ملفًّا جديدًا من الخلاف حول تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، والثقة الهشّة بين الأطراف المتورطة والوسطاء الدوليين، في خطوة اعتبرتها تل أبيب انتهاكًا صريحًا للاتفاق.

 أعلن مكتب رئيس الوزراء، أن الرفات التي استلمها الصليب الأحمر لم تكن جديدة بل أعيدت من قبل وسبق دفنها، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلات عن مدى جديّة حماس في الالتزام بالاتفاقات الإنسانية، وعن قدرة الوسطاء على ضمان تنفيذ بنود ترتبط بأكثر الملفات حساسية: رفات الشهداء والمختطفين، تتداخل في هذا الحدث أبعاد إنسانية وأمنية وسياسية، العائلات تطالب بالحقائق والكرامة، والجانب السياسي في إسرائيل تستثمر الحادث لرفع سقف الضغط على الحكومة، بينما تكثف الأطراف الوسيطة جهودها لمنع حدوث انفجار عسكري جديد.

وقائع الحادثة وإعلان رسمي

في تطور أعاد إشعال التوتر، أعلنت جهات إسرائيلية أن قوات الأمن تلقت عبر الصليب الأحمر ما وُصف بـ«بقايا جثة» رهينة، ضمن تبادل متفق عليه إبان وقف لإطلاق النار مع حركة حماس.

لكن بعد الفحص والتحقق، أفاد مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن هذه الرفات تطابقت مع رفات المختطف أوفير تسرفاتي التي أعيدت إلى إسرائيل في إطار عملية عسكرية قبل نحو عامين، وأنها ليست نتيجة تسليم جديد، البيان الرسمي اعتبر ذلك «انتهاكًا واضحًا» لشروط الاتفاق، وفتح باب الاتهامات المتبادلة حول النوايا والشفافية في عمليات التسليم.

الرد الرسمي ومناخ الغضب السياسي

سارعت الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل إلى تحميل حركة حماس مسؤولية ما اعتُبر تلاعبًا أو استهتارًا بمشاعر الأهالي، أعلن نتنياهو عزمه عقد جلسة أمنية مع رؤساء الأجهزة لمناقشة «الخطوات الممكنة» ضد ما وُصف بانتهاكات متكررة.

وفي الوقت ذاته، دعا مسؤولون سياسيون متشددون إلى رد فعل حازم: وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وصف الحركة بأنها « ما تزال صامدة»، ودعا إلى تدميرها بالكامل، بينما طالب آخرون بإعادة اعتقال من أُطلق سراحهم كجزء من صفقة سابقة.

هذا المناخ يعكس تزايد الضغوط الداخلية على الحكومة لاتخاذ موقف قوي، في ظل حساسية الموضوع لدى جمهور واسع من الناخبين وعائلات المختطفين.

التحقق الفني والوساطات الدولية

عملية التعرف على الرفات عادة ما تمر بخطوات طبية وقانونية دقيقة تشمل فحوصات الحمض النووي، ومطابقة سجلات طبية، وإجراءات رسمية عن طريق جهات محايدة مثل الصليب الأحمر.

إعلان إسرائيل بأن الرفات أعيدت سابقًا يشير إلى خلل في سلسلة التوثيق أو ربما محاولة للتغطية على تسليم سابق.

ومن جهة أخرى، تلعب الوساطات الدولية دورًا مركزيًا في مثل هذه الملفات، سياسيًا، قد يمارس الوسطاء ضغوطًا لتفادي العودة إلى العنف، لكن ظهر أن ثقة الطرف الإسرائيلي في عملية التحقق قد تقلّصت.

التداعيات السياسية والأمنية المحتملة

على الصعيد السياسي داخل إسرائيل، تسارع الأصوات الداعية لردّ صارم قد يزيد من عزلة الحكومة أو يقوي موقعها أمام قطاعات أخرى من الرأي العام. 

عسكريًا، يشير خطاب المسؤولين إلى خيارات تتراوح بين توسيع خطوط السيطرة وإجراءات عسكرية محددة أو أعنف، وبين خطوات انتقامية محدودة تستهدف كيانات مرتبطة بحماس. مثل هذه الخطوات تحمل معها مخاطر تصعيد سريع قد يقوّض أي تأثير إيجابي حققته اتفاقيات التهدئة الأخيرة.

الإعلام الإسرائيلي، كما وسائل التواصل، لم تتوان عن تضخيم الزخم العاطفي، معتبرة ما حدث دليلاً على «لا مسؤولية» أو «ازدواجية» من جانب حماس، هذا الخطاب يعزّز موقف المتشددين ويصعّب على من يدعون إلى ضبط النفس تقديم حجج مقنعة أمام شريحة غاضبة تطالب بتحرك فوري، في المقابل، هناك أصوات تحذر من مغبة الانجرار إلى عمليات خاطفة للرد قد تضر بمأساة المدنيين في غزة وتعيد دورتها المألوفة من العنف.

المنطقة مقبلة على جولة توتر جديدة

من جانبه، يرى الدكتور محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية، أن حادثة تسليم بقايا جثة رهينة لإسرائيل ليست مجرد خطأ إجرائي أو التباس في عملية تبادل، بل تمثل مؤشرًا سياسيًا بالغ الدلالة على حجم التوتر القائم بين إسرائيل وحركة حماس، وعلى هشاشة التفاهمات الميدانية التي تمت برعاية وسطاء دوليين وإقليميين.

ويؤكد المنجي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الحادثة ستستثمر داخل إسرائيل لتبرير خطوات تصعيدية، سواء عبر تشديد الحصار على غزة أو تنفيذ عمليات محددة ضد قيادات الحركة، خصوصًا أن الحكومة الإسرائيلية تعاني من ضغط داخلي متزايد من عائلات المختطفين ومن التيارات اليمينية التي تبحث عن "ردّ كرامة".


ويضيف: أن الرسالة السياسية وراء تسليم الرفات بهذه الطريقة – سواء كانت متعمدة أم لا – تعكس رغبة حماس في اختبار حدود الصبر الإسرائيلي، وربما إعادة فرض نفسها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية تتعلق بوقف إطلاق النار أو التبادل.

ويختتم المنجي تحليله، بالتأكيد على أن هذه الأزمة ستعيد ترتيب أولويات القيادة الإسرائيلية، وستدفعها إلى تعزيز موقفها العسكري مؤقتًا مقابل تراجع فرص التهدئة السياسية، ما يعني أن المنطقة مقبلة على جولة توتر جديدة قد تتجاوز غزة إلى ساحات أخرى في المنطقة.