بين غياب الرواتب وانفجار الأسعار.. اليمنيون يواجهون شتاءً صعبًا في مناطق الحوثيين
بين غياب الرواتب وانفجار الأسعار.. اليمنيون يواجهون شتاءً صعبًا في مناطق الحوثيين
تعيش المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين واحدة من أشد موجات الغلاء منذ سنوات الحرب، موجة تضرب الأسواق بلا هوادة وتعيد صوغ حياة ملايين اليمنيين على إيقاع الجوع والحرمان والتقشف القاسي، فبينما تتراجع أسعار المواد الغذائية عالميًا للشهر الثالث على التوالي، يعيش سكان صنعاء ومدن أخرى مفارقة موجعة، الأسعار هنا تتصاعد بوتيرة لا تتسق مع أي منطق اقتصادي، فيما تتقلص القدرة الشرائية بفعل البطالة الواسعة وتوقف الرواتب وانحسار المساعدات الإنسانية.
ظهرت هذه الأزمة بحدة غير مسبوقة خلال الأسابيع الأخيرة، حين قفزت أسعار السلع الأساسية دفعة واحدة، لتتحول موائد اليمنيين إلى مساحة للتنازل، عائلات كثيرة باتت تتخلى عن الخضروات والفواكه ومنتجات الحليب، بينما رفعت المطاعم أسعارها إما اضطرارًا أو حفاظًا على بقائها في سوق يختنق رويدًا رويدًا، ورغم أن مؤشرات «فاو» تؤكد الهبوط العالمي للأسعار، فإن الأسواق اليمنية تسير في اتجاهٍ مضاد، في ظل غياب أي رقابة فعلية وانغماس سلطات الحوثيين في فرض الجبايات بدلاً من كبح هذا الارتفاق الجنوني في الأسعار.
تضخم خارج السيطرة
شهدت الأسواق في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خلال الأسابيع الماضية، موجة غلاء حادة انعكست على كل تفاصيل الحياة اليومية، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسب تراوحت بين 10% و30%، في وقت لم يصدر فيه أي توضيح رسمي يفسر أسباب هذه القفزة، رغم أن البيانات الدولية تشير إلى انخفاض عالمي في أسعار السلع الرئيسية.
يقول تجار في العاصمة: إن السوق بات يعيش حالة فوضى سعرية غير مسبوقة، إذ سجل سعر كيس الدقيق زنة 50 كيلوغرامًا ارتفاعًا بنحو 3 دولارات، ليصل أحد أنواعه من 12,400 ريال يمني إلى 14,000 ريال، كما زاد سعر كيس الأرز بين 3 و6 دولارات باختلاف الجودة، فيما ارتفع سعر زجاجة الزيت (5 لترات) بمقدار دولارين، أما كرتونة البيض فقد تجاوزت 4 دولارات بعد بلوغ سعرها أكثر من 2200 ريال، رغم أن سعر صرف الدولار ما يزال ثابتًا عند حدود 535 ريالًا وفق تسعيرة سلطات الحوثيين.
لكن الارتفاع لم يتوقف عند المواد الأساسية، فحتى الخضروات والفواكه المنتَجة محليًا شهدت زيادات تراوحت بين 20% و40%، بالإضافة إلى المعلبات مثل التونة والأجبان والحليب المجفف، التي اضطرت آلاف العائلات للتوقف عن شرائها تمامًا.
تكيف قاسٍ للأسر
تقول نهى الجلال، وهي موظفة في مدرسة وأم لثلاثة أطفال: إنها أوقفت شراء معظم الخضروات منذ شهر تقريبًا واكتفت بالأصناف الضرورية للطبخ، وتضيف أنها باتت تخصص الجزء الأكبر من دخلها لشراء الدقيق والسكر والأرز، بعد أن أصبحت هذه المواد تلتهم معظم ميزانية الأسرة الصغيرة، وتصف نهى الحياة اليوم بأنها «معركة يومية بين الرواتب الغائبة والأسعار التي تتصاعد مثل نار في هشيم».
وتشير شهادات أخرى إلى أن عائلات كثيرة لجأت إلى تقليل عدد الوجبات اليومية، أو استبدال الأصناف المغذية بمواد أقل جودة، في محاولة لمجاراة الارتفاع المستمر في أسعار الغذاء داخل الأسواق.
من جهته، يروي صالح المقرمي، وهو مدير فرع لأحد المطاعم الشعبية في صنعاء، أن المطعم اضطر إلى رفع أسعار الوجبات بنسبة تراوحت بين 20% و25%، بسبب ارتفاع تكاليف شراء المواد الأولية.
ويضيف: أن عدد الزبائن انخفض بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، وأن من بقي من رواد المطعم أصبح يطلب وجبات أقل حجمًا أو يتجنب الأصناف المكلفة، ويخشى صالح أن تضطر بعض المطاعم لتقليص العمالة أو إغلاق أبوابها إذا استمرت هذه الزيادات.
ورغم أن بعض أصحاب المطاعم يأملون في تكيّف الزبائن مع الأسعار الجديدة، فإن متخصصين في الشأن الاقتصادي يرون أن السوق وصل إلى مرحلة يصعب معها الحديث عن تكيف، بعدما استنزفت سنوات الحرب قدرة اليمنيين على التحمل.
اقتصاد مرهق وضرائب متصاعدة
يقول الباحث الاقتصادي اليمني عادل السامعي: إن ما يحدث ليس موجة غلاء عابرة، بل نتيجة تراكمات طويلة من السياسات الجبائية غير المدروسة، ويؤكد أن سلطات الحوثيين تستنزف السوق عبر فرض ضرائب إضافية ورسوم جمركية متكررة، سواء في المنافذ أو أثناء تنقل البضائع بين المحافظات؛ ما يؤدي إلى رفع الأسعار تلقائيًا.
ويضيف السامعي لـ"العرب مباشر"، أن جماعة الحوثيين لا تضع أي اعتبار للقدرة الشرائية المنهكة للسكان، بل تعتمد على زيادة إيراداتها عبر الجبايات الواسعة، وهو ما يضغط على حركة التجارة ويخلق حالة من الركود الحاد.
ويشير إلى أن توقف رواتب موظفي الدولة منذ سنوات، وغياب فرص العمل، وتراجع المساعدات الأممية، كلها عوامل تفاقم العجز المعيشي لدى اليمنيين.

العرب مباشر
الكلمات