تجسس إسرائيلي على قاعدة أمريكية تثير أزمة صامتة بين تل أبيب وواشنطن
تجسس إسرائيلي على قاعدة أمريكية تثير أزمة صامتة بين تل أبيب وواشنطن
كشفت مصادر مطلعة على نقاشات داخلية حساسة، أن عناصر إسرائيلية تنفذ عمليات مراقبة واسعة تستهدف القوات الأمريكية وحلفاء واشنطن العاملين في قاعدة أمريكية جديدة بجنوب إسرائيل، وذلك من خلال تسجيلات علنية وسرية لاجتماعات ونقاشات داخلية.
وأكدت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن هذه الممارسات أثارت خلافات حادة حول طبيعة جمع المعلومات داخل مركز التنسيق المدني العسكري المعروف باسم CMCC.
وفقًا للمصادر، دفع حجم أنشطة الرصد قائد القاعدة الأمريكية، الفريق أول باتريك فرانك، إلى استدعاء مسؤول عسكري إسرائيلي لإبلاغه بضرورة وقف التسجيل فورًا داخل المركز.
تحذيرات من مخاطر تسريب المعلومات
أعرب موظفون وزوار من عدة دول عن مخاوفهم من عمليات التسجيل الإسرائيلية داخل المركز، وتم تحذير بعضهم من مشاركة أي معلومات حساسة خشية أن يتم جمعها واستغلالها.
الجيش الأمريكي رفض التعليق على هذه المخاوف، فيما تجنب الجيش الإسرائيلي الرد المباشر على مطلب وقف التسجيل، مشيرًا إلى أن كافة المحادثات داخل المركز غير سرية.
وأكد الجيش الإسرائيلي -في بيان-، أن توثيق الاجتماعات يتم عبر بروتوكولات واضحة ومتفق عليها، واعتبر الادعاء بأن إسرائيل تجمع معلومات استخبارية عن شركائها خلال اجتماعات مشتركة أمرًا غير منطقي.
مركز أُنشئ لدعم وقف إطلاق النار ورسم مستقبل غزة
أُنشئ مركز CMCC في أكتوبر بهدف مراقبة وقف إطلاق النار وتنسيق إيصال المساعدات ووضع تصور لمستقبل غزة وفق خطة من 20 بندًا قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتُعرض نسخ ضخمة من هذه الخطة في أروقة المبنى.
كانت القوات الأمريكية الموجودة في المركز مكلفة بزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلا أن القيود الإسرائيلية المستمرة على دخول الغذاء والدواء والمواد الأساسية شكلت عقبة كبيرة.
ووصلت الأوضاع إلى مجاعة في بعض مناطق القطاع خلال الصيف الماضي بسبب الحصار الكامل.
وعلى الرغم من تقارير تحدثت عن أن إسرائيل سلّمت جزءًا من صلاحيات التحكم في دخول المساعدات للجيش الأمريكي، يؤكد مسؤول أمريكي أن إسرائيل ما زالت تمثل اليد الأساسية المتحكمة، بينما يقوم المركز بدور الغطاء المهني لتلك الإجراءات.
قيود إسرائيلية على المساعدات
واجه خبراء اللوجستيات الأمريكيون عراقيل كبيرة بسبب تشديد إسرائيل على قوائم المواد المسموح دخولها، بما يشمل مواد بسيطة مثل أعمدة الخيام ومواد تنقية المياه، وأكد دبلوماسيون، أن نقاشات داخل CMCC ساعدت في تعديل بعض القيود.
وقال وزير الخارجية الهولندي ديفيد فان ويل: إنه اطّلع على رفع أحد القيود بعد سلسلة من المحادثات داخل المركز. ورغم ذلك، ما تزال مواد أساسية مثل الأقلام والدفاتر محظورة دون تفسير.
إقصاء الفلسطينيين عن مركز التنسيق
يضم مركز CMCC مخططين عسكريين من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول حليفة مثل بريطانيا، كما تُدعى وفود دبلوماسية ومنظمات إنسانية للمناقشات المتعلقة بإيصال المساعدات ومستقبل القطاع.
ورغم أن خطة ترامب تنص على إشراك الفلسطينيين في إدارة انتقالية، لا يوجد أي تمثيل فلسطيني داخل المركز.
ولم تتم دعوة أي جهة مدنية أو إنسانية فلسطينية أو ممثلين عن السلطة الفلسطينية للمشاركة في أعماله.
كما تؤكد مصادر، أن محاولات إشراك فلسطينيين عبر اتصالات فيديو قوبلت بقطع متكرر من الجانب الإسرائيلي.
وتشير وثائق التخطيط العسكري الأمريكي، التي اطلع عليها الغارديان، إلى تجنب استخدام كلمات فلسطين أو فلسطيني، والاكتفاء بوصف السكان بـ غزّيين.
مشروع ثنائي يقدمه نتنياهو دون الإشارة للحلفاء
يُقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المركز باعتباره مشروعًا ثنائيًا بين إسرائيل والولايات المتحدة فقط، دون ذكر الدول الأخرى المشاركة، كما أظهرت صوره الرسمية من الزيارة أن الوجود كان مقتصرًا على مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين.
مبنى يشبه شركة ناشئة وسط بيئة صامتة
يقع مركز CMCC في مبنى متعدد الطوابق بالمنطقة الصناعية في كريات غات قرب الحدود مع غزة، وكان سابقًا مقرًا لمؤسسة إنسانية اتُّهمت مواقع توزيعها بأنها تحولت إلى نقاط خطرة على حياة الفلسطينيين.
لكل من الإسرائيليين والأمريكيين طابق منفصل داخل المبنى، فيما خُصصت مكاتب للحلفاء الآخرين.
ويتميز التصميم بأسلوب أقرب لبيئة شركات التكنولوجيا، مع قاعة رئيسية بلا نوافذ مفروشة بالعشب الصناعي وسبورات بيضاء تقسم المساحات، بينما يعمل الجنود والدبلوماسيون والعاملون الإنسانيون في مناطق مشتركة.
تعكس المصطلحات المستخدمة داخل المركز اللغة المؤسسية الأمريكية، حيث تُستخدم كلمات مثل المستخدم النهائي بدلًا من فلسطيني، وتُنظم فعاليات أسبوعية مثل أربعاء الرعاية المخصصة للمستشفيات، وخميس العطش المعني بالمياه والخدمات الأساسية.
مخاوف من انتهاك القانون الدولي وغياب تفويض واضح يبدي دبلوماسيون وعاملون إنسانيون حذرًا شديدًا تجاه المشاركة في أعمال المركز، خوفًا من انتهاك القانون الدولي عبر خلط العمل العسكري بالإنساني واستبعاد الفلسطينيين من التخطيط لمستقبلهم.
لكن في الوقت نفسه، يخشون أن يؤدي الغياب الكامل إلى ترك القرارات في يد إسرائيل والضباط الأمريكيين الجدد.
تشير مصادر إلى أن دور المركز قد بدأ يخفت تدريجيًا مع عودة عدد كبير من الجنود الأمريكيين إلى قواعدهم بعد انتهاء مهامهم الرسمية.
ورغم أن وضع تصور لمستقبل غزة بعيدًا عن المشاركة الفلسطينية كان سهلًا نسبيًا، ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطط ستُطبق فعليًا على الأرض.
وتؤكد إسرائيل، أن الانتقال إلى المرحلة التالية من وقف إطلاق النار لن يتم قبل نزع سلاح حركة حماس، بينما لا يملك الأمريكيون ولا أي من الحلفاء خطة واضحة لتحقيق ما لم تستطع القوات الإسرائيلية تنفيذه رغم عامين من الحرب الدموية.
وتشير لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة وعدد من المنظمات الإنسانية إلى ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة في غزة.

العرب مباشر
الكلمات