المدعية العسكرية الإسرائيلية بين الاختفاء والفضيحة.. انهيار الثقة في جيش تل أبيب
المدعية العسكرية الإسرائيلية بين الاختفاء والفضيحة.. انهيار الثقة في جيش تل أبيب
                            لم تكن حادثة اختفاء المدعية العسكرية الإسرائيلية اللواء "يفعات تومر يروشالمي" مجرد واقعة عابرة في سجل المؤسسة العسكرية، بل تحولت إلى مرآة عاكسة لأزمة أخلاقية متفاقمة داخل الجيش الإسرائيلي، فقد عُثر على سيارتها مهجورة قرب شاطئ شمال تل أبيب وبداخلها رسالة أثارت الذعر والشكوك حول مصيرها، قبل أن تُعلن الشرطة لاحقًا أنها على قيد الحياة، غير أن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد، فالمدعية التي استقالت مؤخرًا عقب فضيحة "سجن سدي تيمان" المروع، كانت قد واجهت ضغوطًا سياسية وإعلامية متصاعدة، بعدما اتُّهمت بالكشف عن تجاوزات جسيمة ارتكبها جنود إسرائيليون بحق أسرى فلسطينيين في ظل هذه الملابسات، بدا اختفاؤها ولو لساعات بمثابة صفارة إنذار داخل المؤسسة العسكرية التي تواجه اليوم أزمة ثقة متصاعدة، ليس فقط بين جنودها وضباطها، بل أيضًا أمام الرأي العام المحلي والدولي الذي بدأ يشكك في مصداقية روايات الجيش الإسرائيلي.
انتحار كاذب
أثار اختفاء اللواء "يفعات تومر يروشالمي"، المدعية العسكرية العامة في الجيش الإسرائيلي، ضجة غير مسبوقة في أروقة تل أبيب صباح الأحد، حين أعلنت الشرطة عن فقدان الاتصال بها بعد العثور على سيارتها قرب شاطئ الجرف.
الرسالة التي وُجدت داخل المركبة وُصفت بأنها "مقلقة"، وفتحت الباب أمام تكهنات عن احتمال تعرضها لضغوط نفسية أو تهديدات مرتبطة بعملها، قبل أن تؤكد وسائل الإعلام لاحقًا أنها على قيد الحياة وتم التواصل معها.
يروشالمي، التي كانت أول امرأة تتولى هذا المنصب الحساس في تاريخ الجيش الإسرائيلي، وجدت نفسها في قلب عاصفة سياسية وأخلاقية منذ أسابيع، فاستقالتها جاءت بعد فضيحة مدوية تتعلق بتسريب مقاطع مصورة من داخل "سجن سدي تيمان"، الذي يُعد أحد أكثر السجون الإسرائيلية إثارة للجدل، حيث يحتجز الآلاف من الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023.
مشاهد صادمة
المقاطع التي ظهرت في أغسطس 2024 كشفت عن مشاهد صادمة لجنود يعتدون بوحشية على أسير فلسطيني مكبل، وسط صراخ وتعذيب ممنهج، وقد اضطر الجيش إلى فتح تحقيق رسمي، أشار فيه إلى "تورط عناصر من النيابة العسكرية" في تسريب التسجيل.
ورغم نفي يروشالمي مسؤوليتها المباشرة، فإنها أقرت بتحمل "جزء من المسؤولية" عن السماح بنشر مواد إعلامية تتعلق بالقضية.
هذه القضية لم تكن معزولة عن سياق أوسع، فخلال الأشهر الماضية، تصاعدت التقارير الحقوقية عن "فظائع تُرتكب داخل سجن سدي تيمان"، حيث تحدثت صحيفة هآرتس عن اعتداءات جسدية ونفسية ممنهجة، وعمليات تعذيب أفضت إلى وفاة معتقلين مدنيين من غزة، بل وإلى إجراء عمليات جراحية دون تخدير.
ورغم تقديم النيابة العسكرية لوائح اتهام ضد خمسة جنود في فبراير الماضي، فإنهم ما يزالون طلقاء دون أي قيود قانونية، ما أثار غضب المنظمات الحقوقية التي اعتبرت أن العدالة في إسرائيل "انتقائية ومنحازة للجلاد".

التآكل الأخلاقي داخل الجيش الإسرائيلي
على الصعيد السياسي، تسببت استقالة يروشالمي في أزمة داخل المؤسسة العسكرية، فبينما رأى فيها بعض القادة العسكريين "عملاً مبدئيًا وشجاعًا"، اعتبرها آخرون "طعنة في ظهر المؤسسة"، خاصة وأنها جاءت في وقت حساس تواجه فيه إسرائيل اتهامات دولية متزايدة بارتكاب جرائم حرب في غزة.
هذه الانقسامات الداخلية، إلى جانب التحقيقات الجارية في تسريبات السجن، سلطت الضوء على "التآكل الأخلاقي داخل الجيش الإسرائيلي" الذي طالما قدّم نفسه كـ"الجيش الأكثر أخلاقية في العالم".
ترافق ذلك مع تصاعد الانتقادات الدولية، إذ دعت منظمات حقوقية إلى إغلاق سجن "سدي تيمان" بشكل فوري، مؤكدة أن ما يجري داخله يرقى إلى مستوى "جرائم ضد الإنسانية".
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن أكثر من "عشرة آلاف فلسطيني"، بينهم أطفال ونساء، يقبعون في السجون الإسرائيلية، يعانون من التعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي، ما تسبب في وفاة العشرات منذ بداية الحرب.
أما الحرب نفسها، التي دخلت عامها الثالث منذ أكتوبر 2023، فقد حصدت أكثر من "68 ألف قتيل و170 ألف جريح" في قطاع غزة، معظمهم من النساء والأطفال، ودمّرت أكثر من 90% من البنية التحتية المدنية.
وبرغم النداءات الدولية لوقف القتال، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية بدعم أميركي غير محدود، بينما يتهاوى الوضع الإنساني في القطاع إلى مستويات غير مسبوقة.
                            
                                
 
                                    العرب مباشر  
                                
                            
                
                
                
                
                
                
                
        
        
        
        
        
        
  الكلمات