هدنة تتآكل في صمت.. تل أبيب تعيد القصف وغزة تحت النار مجددًا

هدنة تتآكل في صمت.. تل أبيب تعيد القصف وغزة تحت النار مجددًا

هدنة تتآكل في صمت.. تل أبيب تعيد القصف وغزة تحت النار مجددًا
حرب غزة

على الرغم من مرور أسابيع على اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن بوساطة مصرية وقطرية وتركية، فإن المشهد في غزة لا يعكس ملامح الهدوء المنشود، فمع ساعات الفجر الأولى، دوّى صوت الانفجارات في سماء القطاع، معلنًا عن جولة جديدة من الغارات الإسرائيلية التي طالت الأحياء السكنية شرقي خان يونس وغزة ودير البلح، وبينما تتناثر أنقاض المنازل التي جرى نسفها تحت وقع القصف، تتصاعد أصوات الفلسطينيين الغاضبة، معتبرين ما يجري "انتهاكًا صارخًا" للاتفاق الذي يفترض أن يفتح باب المساعدات وعودة الحياة تدريجيًا، أما الوسطاء، الذين بذلوا جهودًا شاقة للوصول إلى هذا الاتفاق، فيجدون أنفسهم أمام اختبار حقيقي لإثبات قدرتهم على إلزام الأطراف بالتعهدات، في وقت يتزايد فيه الحديث عن هشاشة الهدنة واحتمال انهيارها في أي لحظة.

خرق إسرائيلي لوقف إطلاق النار

تجددت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، فجر الاثنين، في مشهد يكرّس حالة التوتر التي لم تغادر القطاع رغم إعلان اتفاق وقف إطلاق النار قبل نحو شهر.

 وأفادت مصادر طبية في مجمع ناصر بخان يونس، أن فلسطينيًا أُصيب بجروح جراء استهدافه بطائرة مسيرة في بلدة بني سهيلا شرقي المدينة، فيما تواصلت الغارات على مناطق شرق خان يونس، بالتزامن مع عمليات تفجير نفذتها قوات هندسية إسرائيلية داخل أحياء سكنية.

شهود عيان تحدثوا عن أصوات انفجارات متتابعة هزت أرجاء المدينة، وحرائق اندلعت في منازل ومدارس وممتلكات خاصة.

 وأشار بعضهم إلى أن القصف الإسرائيلي تركز على مناطق يفترض أنها خالية من النشاط العسكري، ما يثير تساؤلات حول دوافع هذه العمليات في ظل سريان الهدنة.

وفي وسط القطاع، واصلت المدفعية الإسرائيلية استهداف المناطق الشرقية من مدينة دير البلح، حيث شوهدت الطائرات المسيرة تحلق بكثافة على ارتفاعات منخفضة، وسط حالة من الذعر في صفوف المدنيين الذين لجأ كثير منهم إلى المدارس والملاجئ خشية تجدد القصف.

وسائل إعلام فلسطينية محلية، نقلت أن الطائرات الإسرائيلية شنت غارات متزامنة على أحياء شرق مدينة غزة، بينما واصلت الوحدات الهندسية التابعة للجيش الإسرائيلي تفخيخ وتفجير منازل بزعم استخدامها لأغراض عسكرية خلال الحرب الأخيرة، إلا أن السكان المحليين أكدوا أن أغلب تلك المنازل تخص عائلات مدنية لا علاقة لها بأي نشاط عسكري.

ويُعد هذا التصعيد خرقًا واضحًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه في التاسع من أكتوبر الماضي ضمن خطة من عشرين نقطة وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتشمل مراحل متتالية تبدأ بتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية. 

ورغم أن المرحلة الأولى من الاتفاق دخلت حيز التنفيذ رسميًا، فإن الوقائع الميدانية تشير إلى استمرار الانتهاكات من الجانب الإسرائيلي، مقابل التزام نسبي من الفصائل الفلسطينية.

حماس تدين إسرائيل


حازم قاسم، الناطق باسم حركة "حماس"، اعتبر أن ما يجري "يؤكد أن إسرائيل غير جادة في احترام التزاماتها"، وقال -في بيان رسمي-: "استمرار الاحتلال في تدمير المنازل والأحياء السكنية هو انتهاك سافر لاتفاق وقف الحرب، وعلى الوسطاء التدخل فورًا للجم هذه الخروقات المتواصلة التي تشمل استمرار الحصار وتقييد دخول المساعدات وإغلاق معبر رفح".

كما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، بأن طائرة إسرائيلية استهدفت مدرسة الخنساء ومحيطها في بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس، بينما أطلقت الزوارق الحربية نيرانها باتجاه شاطئ بحر النصيرات وسط القطاع، وأوضحت أن هذه الاعتداءات تسببت في وقوع إصابات وأضرار مادية واسعة في المنشآت المدنية.

من جهتهم، يرى محللون، أن إسرائيل تحاول من خلال هذه الضربات إرسال رسائل مزدوجة، الأولى داخلية لطمأنة جمهورها بأنها ما تزال تمسك بزمام المبادرة الأمنية في غزة، والثانية إقليمية للضغط على الوسطاء العرب كي يدفعوا الفصائل إلى تقديم مزيد من التنازلات في الملفات العالقة، وخصوصًا ملف الأسرى وضمانات الأمن الحدودي.

في المقابل، يُحذر المراقبون من أن استمرار التصعيد سيقوض فرص تثبيت الهدنة الهشة، وقد يفتح الباب أمام جولة جديدة من المواجهة، خاصة إذا ما ردت الفصائل على الخروقات، كما يخشى السكان في غزة من أن تعود دورة الحرب والدمار سريعًا، في ظل غياب أفق سياسي واضح وازدياد المؤشرات على تآكل الثقة بين الأطراف.

هدنة تكتيكية


من جانبه، يرى الدكتور يحيى قاعود، المحلل السياسي الفلسطيني، أن ما يجري في غزة يعكس "طبيعة الخلل البنيوي في أي اتفاق لا يتضمن آليات مراقبة وضمانات تنفيذ دولية واضحة". 

ويؤكد قاعود في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن إسرائيل تتعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار باعتباره "هدنة تكتيكية" لا تلزمها إلا مؤقتًا، ريثما تحقق مكاسب ميدانية أو سياسية، مشيرًا أن استهداف الأحياء السكنية وتدمير البنى التحتية المدنية هو رسالة بأن الاحتلال لا يعترف بحدود الاتفاق إلا بما يخدم استراتيجيته الأمنية.

ويضيف قاعود، أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى فقدان الثقة بين الفصائل الفلسطينية والوسطاء الإقليميين، خصوصًا في ظل عجزهم عن ضمان التزامات متبادلة. 

ويرى، أن الحل يكمن في "تدويل عملية المراقبة، وإشراك الأمم المتحدة بشكل فعلي في تنفيذ بنود الاتفاق"، محذرًا من أن تجاهل هذه الخطوة سيجعل الهدنة حبراً على ورق.

ويختتم بالقول: "غزة اليوم تقف على حافة الانفجار، وأي تجاهل لهذه الخروقات سيعيد المنطقة إلى مربع الحرب المفتوحة".