ملفات داخلية شائكة أمام بزشكيان.. ما هي التحديات وكيف يواجهها؟
ملفات داخلية شائكة أمام بزشكيان.. ما هي التحديات وكيف يواجهها
مع وصول الرئيس الإيراني المعتدل مسعود بزشكيان إلى السلطة، تتطلع العيون نحو هذا القائد الجديد الذي أتى بفوز غير متوقع. يعد بزشكيان رمزًا للأمل لدى ملايين الإيرانيين الذين يتوقون إلى تحرير الحريات الاجتماعية واعتماد سياسة خارجية منفتحة، أما الشغل الشاغل للإيرانيين فيتلخص في الملفات الداخلية الشائكة والمتعددة والمتراكمة على مدار عشرات السنين من حكم الملالي.
*تحديات السياسة الخارجية*
يشكل الملف النووي الإيراني والتوترات المستمرة مع القوى العالمية أولى التحديات الكبرى التي سيواجهها بزشكيان. وتغلب بزشكيان على منافسه المحافظ سعيد جليلي في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ما أثار ترحيبًا حذرًا من المجتمع الدولي الذي يأمل في نهج أكثر سلمية. وعد بزشكيان بتبني سياسة خارجية براغماتية وتخفيف التوترات مع القوى الكبرى، لكن محللين يرون أن النظام الإيراني الذي يدمج بين الحكم الديني والجمهوري يجعل من الصعب على الرئيس إحداث تغيير جذري في هذا الملف.
في إطار محاولاته لتخفيف التوترات الدولية، تعهد بزشكيان بالعودة إلى المفاوضات مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي تعثر بعد انسحاب الولايات المتحدة منه في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات على إيران.
يرى المحللون، أن بزشكيان يسعى لتبني سياسة توازن بين المحافظة على الحقوق الوطنية والاستجابة للضغوط الدولية؛ مما قد يسهم في تحسين العلاقات المتوترة بين طهران والعواصم الغربية.
*الوضع الداخلي والمشاركة السياسية*
على الصعيد الداخلي، يواجه بزشكيان تحدي ضبط إيقاع السياسة الإيرانية والمشاركة في اختيار خليفة للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
رغم تعهداته بعدم معارضة سياسات خامنئي، يأمل العديد من الإيرانيين أن يتمكن بزشكيان من تحقيق بعض التغيير من خلال توفير مزيد من الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية، مع ذلك، فإن القبضة الأمنية المحكمة لنظام خامنئي تجعل من هذه المهمة أمرًا صعب التحقيق.
تتباين رؤى بزشكيان مع رؤى الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، الذي كان يعتبر حليفًا مقربًا من خامنئي ويشدد على تطبيق قوانين صارمة ضد الحريات الاجتماعية.
في المقابل، يسعى بزشكيان إلى تحقيق توازن بين الالتزام بالقوانين الإسلامية واحترام حقوق الإنسان.
وقد أكد في عدة مناسبات أنه سيعمل على تعزيز التعددية السياسية وتشجيع المشاركة السياسية الفعالة لجميع فئات المجتمع الإيراني، بما في ذلك الأقليات العرقية والدينية.
*التحديات الاقتصادية*
يقول محمد محسن، الخبير في الشؤون الإيرانية، إن الاقتصاد الإيراني المتعثر يمثل تحديًا كبيرًا آخر لبزشكيان، خاصة بعد أن تعهد الرئيس الجديد بإنعاش الاقتصاد الذي يعاني من سوء الإدارة والفساد الحكومي، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية التي تثقل كاهله.
وأضاف محسن في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الشعب الإيراني بأكمله يأمل في أن يتمكن بزشكيان من تحسين الوضع الاقتصادي، لكنهم يتشككون في قدرته على ذلك نظرًا لقيود السلطة التي يفرضها الزعيم الأعلى خامنئي.
وتابع محسن: يسعى بزشكيان لتحقيق إصلاحات اقتصادية تشمل مكافحة الفساد وتحسين الإدارة المالية للدولة، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية التي يمكن أن تساعد في تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية، وذلك في إطار وعود قالها بإطلاق برامج تنموية تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وخلق فرص عمل جديدة، خاصة للشباب الذين يعانون من البطالة بنسبة عالية.
*الحريات الاجتماعية*
وأشار خبير الشؤون الإيرانية، أن ملف الحريات الاجتماعية من بين أبرز القضايا الملحة التي يتطلع الإيرانيون إلى تحسينها في عهد بزشكيان.
وأضاف محسن، كرئيس سابق للبرلمان، كان بزشكيان ينتقد قمع المؤسسة الدينية للمعارضة السياسية والاجتماعية. وقد طالب في السابق بتوضيح لوفاة مهسا أميني، وهي امرأة توفيت أثناء احتجازها بسبب انتهاك قانون يقيد حرية ملبس النساء.
ورغم وعوده باحترام قانون الحجاب دون اللجوء إلى الأساليب القمعية، إلا أن قدرته على إحداث تغيير جذري في هذا المجال تظل محدودة بسبب الصلاحيات المحدودة التي يمتلكها.
يذكر أن بزشكيان يؤكد على ضرورة احترام حقوق المرأة وتحسين أوضاعها في المجتمع الإيراني، وقد تعهد باتخاذ خطوات لتعزيز دور المرأة في الحياة العامة والسياسية، بما في ذلك زيادة مشاركتها في المناصب القيادية وإزالة العقبات التي تواجهها في الحصول على التعليم والعمل.
*الحقوق السياسية والاجتماعية*
ينتمي بزشكيان إلى الأقلية الأذرية ويدعم حقوق الأقليات العرقية في إيران. وقد عُرف بمواقفه الداعمة لحقوق الإنسان وانتقاداته الصريحة للقمع السياسي. ومع ذلك، فإن تصريحاته حول عدم قدرته على التأثير في قضية السجناء السياسيين تعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها في هذا المجال.
بزشكيان يواجه ضغوطًا هائلة من أجل تحقيق وعوده الانتخابية، ولكن قدرته على تنفيذ هذه الوعود محدودة بشكل كبير بسبب النظام السياسي القائم.
يرى بزشكيان أن تعزيز الحقوق السياسية والاجتماعية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف السياسية والدينية في البلاد. وقد دعا إلى فتح قنوات الحوار مع المعارضة والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية التي يمكن أن تسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وتسامحًا.
*تحديات كبيرة*
في السياق ذاته، يرى مراقبون أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان يواجه تحديات كبيرة ومعقدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبينما يبدي الكثيرون تفاؤلًا حذرًا تجاه قدرته على إحداث تغيير، فإن الواقع السياسي في إيران يفرض قيودًا صارمة قد تحد من قدرته على تنفيذ وعوده، يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كان بزشكيان سيتمكن من تحقيق بعض التقدم في مواجهة هذه الملفات الشائكة أم أن التحديات الداخلية والخارجية ستكون أكبر من قدرته على التغلب عليها. تظل آمال الإيرانيين معلقة على بزشكيان لتحقيق التغيير المنشود، ولكن الزمن فقط هو الذي سيكشف ما إذا كان هذا الأمل سيتحقق أم لا.