أنفاق رفح.. الممر الأخير بين استسلام مستحيل ونجاة محفوفة بالموت

أنفاق رفح.. الممر الأخير بين استسلام مستحيل ونجاة محفوفة بالموت

أنفاق رفح.. الممر الأخير بين استسلام مستحيل ونجاة محفوفة بالموت
أنفاق رفح

في عمق الأرض التي أنهكتها الحرب وتقاطعت فوقها حسابات الإقليم والقوى الكبرى، يقف مقاتلو حماس العالقون في أنفاق رفح أمام مشهد يعكس تعقيدات مرحلة ما بعد الهدنة أكثر مما يعكس ملامح معركة انتهت. 

فهؤلاء المقاتلون، المحاصرون بين طبقات الرمل والخرسانة والمياه التي تضخها إسرائيل في الممرات تحت الأرض، لم يعودوا مجرد عناصر ميدانيين منفصلين عن مسار التفاوض، بل تحولوا إلى ورقة حساسة على طاولة الدبلوماسية الدولية.

 وبينما تتسابق واشنطن وتل أبيب والقاهرة والدوحة لإعادة تشكيل مستقبل غزة، يجد هؤلاء أنفسهم أمام معادلة قاسية: الموت في أعماق الأنفاق، أو الخروج إلى مصير سياسي غير واضح، أو الاستسلام الذي ترفضه الحركة. 

ومع أن هدنة غزة وضعت حدًا مؤقتًا لاجتياحات واسعة، إلا أن مصير المحاصرين يشير إلى أن الطريق نحو سلام مستدام ما يزال محفوفًا بالاختبارات التي قد تحدد شكل النظام القادم في القطاع.

المقاتلون تحت الحصار

لم تعد أنفاق رفح مجرد بنية عسكرية تستند إليها حركة حماس منذ سنوات، بل تحولت في الأسابيع الأخيرة إلى ساحة ضاغطة تكشف عن حجم التصدعات التي أحدثتها الحرب داخل الحركة نفسها، وفي علاقاتها بالمحيط الإقليمي والدولي.

فبحسب تقارير استخباراتية نقلتها صحيفة أمريكية بارزة، بدأت مؤشرات نفاد الإمدادات داخل هذه الممرات تحت الأرض وخاصة المياه تُظهر مدى العزلة التي يعيشها عشرات المقاتلين المحاصرين هناك، وتشير المعطيات إلى أن ما بين 100 و200 عنصر كانوا داخل شبكة الأنفاق عشية بدء وقف إطلاق النار، بينما تقلص العدد، وفق الرواية الحمساوية، إلى ما بين 60 و80 مقاتلاً ما زالوا يرفضون مغادرة مواقعهم.

إسرائيل من جانبها وضعت شرق رفح تحت منظومة عسكرية شديدة التعقيد، تشمل رسم خرائط دقيقة للممرات واستخدام حفارات عملاقة لتفكيك الشبكة تحت الرمال، فضلاً عن عمليات تفجير متواصلة تستهدف نقاط الارتكاز.

 وفي بعض المواقع، جرى إغراق الأنفاق بالمياه لإجبار المقاتلين على الخروج، وهي سياسة تشكل ضغطًا نفسيًا وميدانيًا كبيرًا على من تبقى منهم.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي أعلن عن قتل أكثر من 40 مقاتلاً خلال الأسابيع الماضية وأسر عدد محدود، إلا أن الهجمات الخاطفة التي يشنها المحاصرون من تحت الأرض ما زالت تسبب خسائر مباشرة، كان آخرها إصابة أربعة جنود في كمين مفاجئ، أعقبه قصف إسرائيلي واسع النطاق أوقع ضحايا فلسطينيين من المدنيين.

عقدة حقيقية


لكن البعد الميداني ليس سوى جزء من الصورة، فمع انطلاق المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار برعاية دولية، أصبح ملف مقاتلي الأنفاق إحدى نقاط التوتر الأساسية في المفاوضات، إذ تحاول حماس انتزاع ضمانات تسمح بخروج مقاتليها دون استسلام، بينما تصر إسرائيل على أن “الحياة مقابل الاستسلام” هي الصيغة الوحيدة المقبولة.

هذا التباين جعل مصير المقاتلين عقدة حقيقية أمام الانتقال إلى المرحلة التالية من الاتفاق، التي يفترض أن تشمل ترتيبات أمنية جديدة، وبناء مؤسسات حكم بديلة لحماس، ودفع مسار إعادة الإعمار.

الإدارة الأمريكية بدورها ترى في هذا الملف اختبارًا مبكرًا لمدى قابلية تطبيق رؤية نزع سلاح الحركة بالوسائل السياسية، فوفق مسؤولين عرب وأمريكيين، كانت واشنطن تأمل أن يشكل حل مشكلة المقاتلين نموذجًا يمكن البناء عليه لنزع السلاح تدريجيًا دون مواجهات إضافية، إلا أن تشبث الحركة برفض الاستسلام، وغياب خطة إسرائيلية واضحة لكيفية التعامل مع المقاتلين بعد خروجهم، أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وتخشى الحكومات الأجنبية من الاستثمار في الإعمار أو إرسال قوات رقابة ميدانية في ظل استمرار القتال وغياب ضمانات تراجع نفوذ حماس.

معادلة سياسية


وفي الوقت الذي يعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المرحلة التالية من خطة السلام باتت قريبة، تزداد الشكوك لدى الأطراف الإقليمية حول قدرة الخطة على تنفيذ عنصرها الأكثر حساسية: دمج أو تفكيك الجناح العسكري للحركة.

فالأفكار المطروحة تشمل دمج عناصر حماس في قوة شرطية جديدة تخضع للحكومة الفلسطينية المقبلة، أو إرسالهم إلى المنفى، أو السماح لهم بالاحتفاظ بأسلحة خفيفة مقابل التخلي عن الأسلحة الثقيلة والصواريخ. لكن هذه الخيارات ما تزال بعيدة عن الحصول على توافق داخلي داخل الحركة، كما أنها تواجه معارضة إسرائيلية تتعلق بضمانات عدم إعادة بناء القدرات العسكرية مستقبلاً.

وفي ظل هذا التعقيد، تصبح مجموعة المقاتلين المحاصرين في الأنفاق رمزًا لأزمة أكبر: أزمة مستقبل السلطة والسلاح في غزة، فهؤلاء ليسوا فقط عناصر في معركة ميدانية، بل جزء من معادلة سياسية ستحدد شكل المرحلة المقبلة. 

وإذا كان اتفاق الهدنة قد نجح في إنهاء الجولة العسكرية الأعنف، فإن مصير المقاتلين يظل مؤشرًا إلى أن الطريق نحو نظام سياسي جديد لم يبدأ بعد فعليًا، وأن أي تقدم يتطلب معالجة جذور الأزمة الأمنية، وليس فقط واجهتها العسكرية.