سر الزبدة والجبن.. هل يكمن مفتاح العمر الطويل في طبقك المفضل؟
سر الزبدة والجبن.. هل يكمن مفتاح العمر الطويل في طبقك المفضل؟

في دراسة طبية جديدة أثارت جدلاً واسعًا، كشفت عالمة الأوبئة الأمريكية ستيفاني فين-واتسون عن اكتشاف قد يغير نظرتنا إلى الدهون المشبعة إلى الأبد.
وتشير الأبحاث التي نشرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، إلى أن نوعًا معينًا من الدهون المشبعة، يُعرف باسم C15:0 أو حمض البنتاديكانويك، والموجود في الزبدة والجبن والآيس كريم، قد يعزز صحة الخلايا، ويقلل الالتهابات، ويخفض مستويات الكوليسترول، بل وقد يساعد في شفاء الكبد. هذه النتائج، التي نُشرت اليوم 13 مايو 2025، قد تمهد الطريق لإعادة تقييم النصائح الغذائية التي سادت لعقود.
اكتشاف غير متوقع يتحدى التقاليد
لم تكن فين-واتسون، التي عملت سابقًا في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، تتوقع أن تكتشف دهونًا مشبعة تقلب موازين التوصيات الغذائية التي استمرت لخمسين عامًا.
وفي حديثها لمجلة "جود هيلث"، قالت: إنها لم تكن تنوي العثور على دهون مشبعة تهدم نصف قرن من النصائح الغذائية، لكن هذه الدهون المتواضعة أصبحت مرشحة رئيسية في قائمة العوامل التي تطيل العمر البشري.
وأوضحت فين-واتسون، وهي مؤلفة كتاب جديد بعنوان مغذي الطول العمر: الدهون غير المتوقعة التي تملك مفتاح الشيخوخة الصحية، أن حمض البنتاديكانويك (C15:0) يوجد بكميات ضئيلة في منتجات الألبان كاملة الدسم وبعض أنواع الأسماك.
وعلى الرغم من اكتشافه عام 1955 في زيت كبد القرش، إلا أن العلماء بدأوا مؤخرًا فقط في استكشاف آثاره الواسعة على الصحة.
رحلة الاكتشاف.. من الدلافين إلى البشر
بدأت قصة هذا الاكتشاف عام 2001، عندما كانت فين-واتسون تجري أبحاثًا على الدلافين المسنة في خليج سان دييغو ضمن برنامج تابع للبحرية الأمريكية.
لاحظت أن الدلافين تعاني من مشكلات صحية مشابهة لتلك التي تصيب البشر مع التقدم في العمر، مثل أمراض القلب، متلازمة التمثيل الغذائي، أمراض الكبد الدهنية، وحتى الزهايمر. لكنها اكتشفت أن الدلافين التي تتغذى على أسماك غنية بـ C15:0، مثل الرنجة والماكريل، كانت أكثر صحة مقارنة بتلك التي تتغذى على أسماك أخرى خالية من هذه الدهون.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن هذا الاكتشاف قادها إلى التساؤل: هل يمكن أن يكون لهذه الدهون تأثير مماثل على البشر؟ على الرغم من أن الدهون المشبعة طالما ارتبطت بأمراض القلب والأوعية الدموية، إلا أن الأبحاث الحديثة كشفت أن الدهون المشبعة ليست متشابهة. فهي تنقسم إلى فئتين رئيسيتين: الدهون ذات السلسلة الزوجية، التي تحتوي على عدد زوجي من ذرات الكربون وتسبب الالتهابات وتضر بالميتوكوندريا (محطات توليد الطاقة في الخلايا)، والدهون ذات السلسلة الفردية، وخاصة C15:0، التي تكافح الالتهابات وتعمل على إصلاح الميتوكوندريا.
تحول في النصائح الغذائية
وبحسب الصحيفة، فإنه منذ أواخر السبعينيات، سادت فكرة أن الدهون المشبعة ضارة؛ مما أدى إلى التحول نحو الحليب قليل الدسم والمارغرين النباتي، لكن على الرغم من انخفاض استهلاك الحليب كامل الدسم بمقدار أربعة أضعاف، ارتفعت معدلات السمنة، داء السكري من النوع الثاني، متلازمة التمثيل الغذائي، وأمراض الكبد الدهنية عالميًا. هذا يثير تساؤلاً: هل تجنب دهون الألبان على مدى خمسين عامًا كان جزءًا من المشكلة؟
بين عامي 2015 و2017، أجرى فريق فين-واتسون ثماني دراسات أظهرت أن C15:0 ليس مجرد حمض دهني عادي، بل هو حمض دهني أساسي لا يستطيع الجسم إنتاجه بكميات كافية، مما يتطلب الحصول عليه من النظام الغذائي.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة ساندرا كوفمان، عالمة الأحياء الخلوية وطبيبة مكافحة الشيخوخة في فلوريدا: إن من أبرز الفوائد أن نقص C15:0 في خلايا الدم الحمراء يجعلها أكثر عرضة للتلف والموت، وهو ما يرتبط بالشيخوخة والأمراض. يبدو أن C15:0 يلعب دورًا وقائيًا.
وأظهرت دراسة نُشرت في مجلة التغذية عام 2019 أن الأشخاص الذين يستهلكون كميات أكبر من الأحماض الدهنية ذات السلسلة الزوجية كانوا أكثر عرضة للوفاة المبكرة.
الكمية المطلوبة ومصادرها
تشير الأبحاث المنشورة في مجلة نيوترينتس، أن الجسم يحتاج إلى 100-200 ملليغرام يوميًا من C15:0، وهو ما يعادل حوالي 60-85 غرامًا من الجبن المصنوع من حليب الحيوانات التي تتغذى على العشب، مثل: الأبقار والماعز والأغنام، حيث تحتوي هذه المنتجات على مستويات أعلى من C15:0 مقارنة بالحيوانات التي تتغذى على الذرة.
ومن بين الأجبان، يبرز جبن البيكورينو الذي يحتوي على حوالي 50% أكثر من C15:0 مقارنة بأنواع الجبن الأخرى.