الرمز المُستهدف.. كنيسة مار إلياس في مرمى العنف الطائفي.. ما التداعيات؟

الرمز المُستهدف.. كنيسة مار إلياس في مرمى العنف الطائفي.. ما التداعيات؟

الرمز المُستهدف.. كنيسة مار إلياس في مرمى العنف الطائفي.. ما التداعيات؟
تفجير كنيسة مار إلياس

في يوم مأساوي تشهده دمشق وبين جدران كنيسة مار إلياس العتيقة في حي الدويلعة دوّى انفجار ألقى بثقله على المشهد السوري الهش، وأعاد إلى الأذهان كوابيس العنف التي لم تبرأ منها البلاد بعد، لم تكن هذه مجرد عملية إرهابية أخرى، بل كانت ضربة مدروسة استهدفت رمزًا دينيًا في عاصمة استردّت هدوءها بعد عاصفة الحرب، تفجير انتحاري، بأصابع تنظيم الدولة الإسلامية، حصد 22 روحًا وأصاب العشرات، في أول هجوم مباشر على كنيسة منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، لكن توقيته الآن، في عهد ما بعد بشار الأسد، يمنحه أبعادًا تتجاوز الخسائر المادية والبشرية، فما الذي يعنيه هذا الهجوم للنظام الجديد، وهل يفتح الباب لموجة جديدة من الإرهاب تستهدف ما تبقى من التنوع الديني السوري.. أسئلة ثقيلة تطرحها الدماء، ولا تجيب عنها سوى الحقائق والتحقيقات، في بلد لم يتوقف نزيفه بعد.

*هجوم إرهابي*


في مشهد هزّ العاصمة السورية دمشق وأعاد إلى الواجهة كوابيس الإرهاب، أعلنت وزارة الصحة السورية مقتل 22 شخصًا وإصابة 59 آخرين، في تفجير انتحاري استهدف كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة مساء الأحد.

وزارة الداخلية السورية أكدت، أن منفذ الهجوم ينتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرة أنه دخل الكنيسة وأطلق النار قبل أن يفجّر نفسه بحزام ناسف.

يُعد الهجوم أول استهداف مباشر لكنيسة في العاصمة السورية منذ اندلاع الحرب عام 2011، والأول من نوعه منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر، بحسب ما أفاد به "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

ورغم تعرض عدد من الكنائس لأضرار جانبية أو تفجيرات في محيطها خلال سنوات الحرب، إلا أن هذا التفجير يمثل سابقة خطيرة في سياق تصاعد الهجمات الموجهة ضد دور العبادة.

*امتصاص الصدمة*


مصدر أمني سوري كشف لوكالة "رويترز"، أن العملية شارك فيها شخصان، أحدهما نفّذ التفجير، بينما ما تزال هوية الآخر قيد التحقيق، ورغم أن وزارة الداخلية سارعت إلى تأكيد فتح تحقيقات موسعة، إلا أن المخاوف من وجود خلايا نائمة ما زالت قائمة، لا سيما بعد تصاعد تحركات تنظيم داعش في ضواحي العاصمة خلال الأسابيع الماضية.

تصريحات المسؤولين السوريين سعت إلى امتصاص الصدمة، وزير الداخلية أنس خطاب وصف العملية بـ"الجريمة النكراء"، مؤكدًا أن الدولة لن تتراجع عن مسار "السلم الأهلي ووحدة الصف".

أما وزارة الخارجية فرأت في الهجوم "محاولة لضرب التعايش الوطني وزعزعة الأمن". لكن هذه العبارات لم تكن كافية لطمأنة الشارع الدمشقي، خاصة مع وقوع الهجوم في منطقة سكنية مكتظة، ووسط احتفالات دينية حضرها مئات المصلين.

*إدانات عربية ودولية*


ردود الفعل الدولية جاءت سريعة، إذ سارعت السعودية لإدانة "الهجوم الإرهابي" مؤكدة على وقوف المملكة إلى جانب سوريا "ضد كل أشكال العنف والتطور والإرهاب".

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين: إن أنقرة لن تسمح للمتطرفين بجرّ سوريا إلى حالة جديدة من الفوضى وعدم الاستقرار.

وأضاف: "لن نسمح أبدًا لجارتنا وشقيقتنا سوريا أن تُجرّ إلى بيئة جديدة من عدم الاستقرار من خلال منظمات إرهابية بالوكالة"، متعهدًا بدعم الحكومة الجديدة في حربها ضد هذه الجماعات.

وفي القاهرة، وصف الأزهر الشريف الهجوم بـ"الجريمة الإرهابيَّة النكراء"، قائلاً: إن هذه العملية تناقض "كل التناقض، مقاصد الأديان السماوية وتعاليم الأخلاق الإنسانية، وهي اعتداء صارخ على حق الإنسان في الحياة والأمن والعبادة، كما تؤجّج نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد".

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية التزامها بـ"مرحلة انتقالية في سوريا تسمح للسوريين، مهما كانت ديانتهم، بالعيش بسلام وأمن في بلد حُر، موحد، تعددي، مزدهر، مستقر، وذي سيادة".

الكنيسة الأرثوذكسية في دمشق حمّلت السلطات مسؤولية ما وصفته بـ"الانتهاك الخطير لحرمة الكنائس"، داعية إلى مراجعة أمنية شاملة لمنع تكرار هذه الحوادث.

أما مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، فقد دعا إلى فتح تحقيق فوري وشفاف، مؤكدًا أن "الهجوم يستهدف جوهر التعايش السوري".

ويشير مراقبون، أن الهجوم قد يكون مقدمة لموجة تصعيد جديدة يشنها التنظيم ضد مكونات المجتمع السوري المختلفة، مستغلًا هشاشة المرحلة الانتقالية وفراغات أمنية لم تُسد بعد.

 اللافت، أن التنظيم اختار كنيسة مار إلياس، رمزًا للطائفة المسيحية التي تقلص وجودها في سوريا من نحو مليون نسمة قبل 2011 إلى أقل من 300 ألف اليوم، وفق إحصائيات فرنسية.

من جانبه، قال المحلل السياسي السوري ياسين الحمد: إن تفجير كنيسة مار إلياس يحمل دلالات استراتيجية تتجاوز طبيعته الدموية، إذ يمثل رسالة مزدوجة من تنظيم الدولة الإسلامية مفادها أن "الفراغ الأمني ما يزال قائمًا، وأن التنظيم قادر على اختراقه في قلب العاصمة"، ويشير إلى أن استهداف كنيسة بهذا الثقل الرمزي في مرحلة سياسية انتقالية، يُراد منه ضرب صورة الاستقرار الذي تحاول السلطات السورية الجديدة تكريسه داخليًا وخارجيًا.

ويضيف الحمد في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن اختيار حي الدويلعة تحديدًا – وهو أحد أحياء دمشق ذات الكثافة السكانية المسيحية – يعكس محاولة واعية لإعادة إشعال التوترات الطائفية بعد سنوات من الحرب الأهلية، من خلال اللعب على وتر الأقليات.

ويؤكد، أن داعش يسعى في هذه المرحلة إلى إعادة إنتاج نفسه عبر عمليات ذات طابع صادم ومُعلن، في ظل تراجع موارده وغياب مناطق سيطرة جغرافية واضحة.

كما يحذر الحمد من أن هذه العملية قد تكون مقدمة لمرحلة جديدة من "الإرهاب الرمزي"، حيث تستهدف الجماعات المتطرفة مؤسسات دينية وثقافية لإحداث أثر نفسي كبير، ما يتطلب من السلطات تعزيز حماية هذه المواقع ورفع مستوى الجاهزية الأمنية قبل فوات الأوان.