بعد الضربات.. هل أغلقت واشنطن ملف نووي إيران أم فتحت فصلاً أخطر؟

بعد الضربات.. هل أغلقت واشنطن ملف نووي إيران أم فتحت فصلاً أخطر؟

بعد الضربات.. هل أغلقت واشنطن ملف نووي إيران أم فتحت فصلاً أخطر؟
قصف إيران

عاد البرنامج النووي الإيراني إلى دائرة الضوء، بعد الضربات العسكرية الأميركية التي استهدفت منشآت محصنة في فوردو ونطنز وأصفهان. 

بالرغم من التصريحات التي تحدثت عن "تدمير القدرة على التخصيب"، فإن الصورة تبدو أكثر تعقيدًا، وسط تساؤلات عن حقيقة ما تم استهدافه، وما إذا كانت هذه الضربات قد أنهت فعليًا قدرة طهران على المضي قدمًا في مشروعها النووي.

البنية التحتية ليست كل شيء

الضربات الأميركية استهدفت بنى تحتية حساسة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات، في محاولة لضرب القلب الصلب للبرنامج، ولكن البرنامج النووي الإيراني لا يختزل في منشآت إسمنتية أو أجهزة طرد مركزي. 

وهو شبكة معرفية وتكنولوجية مترابطة تضم العلماء، والخبرات، والمواد، وأماكن التخزين، والكفاءات المتخصصة التي يصعب القضاء عليها بعمل عسكري فقط.

البرنامج المؤجل لا المنتهي

ومن المرجح أن إيران كانت قد اتخذت تدابير وقائية قبيل الضربة، سواء بنقل بعض المواد المخصبة إلى مواقع سرية، أو بإخلاء منشآت من المعدات الأساسية، وتكهنات عديدة تشير أن أجهزة الطرد المركزي المتطورة والمواد المخصبة بنسب تقترب من العتبة العسكرية تم إبعادها عن مواقع الاستهداف، ما يرجح أن الضربة قد تكون عرقلت البرنامج، لكنها لم تنتهِ.

الرسالة السياسية قبل العسكرية

والضربة الأميركية حملت أبعادًا تتجاوز الهدف العسكري المباشر، كان واضحًا أنها تحمل رسالة ردع مزدوجة، لطهران من جهة، وللمنطقة والعالم من جهة أخرى، فهي تؤكد أن واشنطن ما تزال تحتفظ بخيارات عسكرية مفتوحة، وأنها مستعدة لاستخدامها عندما ترى أن الخطوط الحمراء تُقترب منها.

لكن في المقابل، فإن هذه الرسالة قد تُفسر داخل إيران على أنها إثبات على نجاح طهران في تجاوز مرحلة الردع النظري، ودخولها دائرة التأثير الفعلي في المعادلات الإقليمية، ما قد يدفعها لتشديد موقفها بدلًا من التراجع.

بعيدًا عن الطابع النووي البحت، فإن تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران يهدد استقرار منطقة الخليج، وخصوصًا عبر مضيق هرمز، الذي تمر عبره نسبة كبيرة من تجارة الطاقة العالمية، وكل تصعيد جديد ينعكس تلقائيًا على الأسواق العالمية، وعلى مخاطر الاستثمار، ويعيد سيناريو الأزمات إلى الطاولة، ما يجعل من البرنامج النووي مسألة تمس الاقتصاد العالمي بقدر ما تمس الأمن الإقليمي.

وما بعد الضربة، لا مؤشرات واضحة على أن الضربة الأخيرة أغلقت ملف إيران النووي، بل ربما فتحت فصلاً أخطر، عنوانه الغموض المقصود والتصعيد غير المعلن، فإيران لم تعلن انهيار قدراتها، بل تُلمّح إلى استمرار امتلاكها أوراق قوة، سواء على صعيد المواد، أو القدرات التقنية، أو حتى الخيارات الدبلوماسية.

وما يظهر حتى الآن أن الضربة كانت فعلاً محسوبًا ومحددًا، لا يهدف إلى إسقاط النظام أو إنهاء قدرته بالكامل، بل إلى لجم تقدمه وإعادة ضبط المعادلة. 

ويقول الباحث السياسي مختار غباشي: إن الهجمات الأميركية على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان حملت طابعًا استعراضيًا أكثر من كونها ضربة قاصمة، مشيرًا أن واشنطن أرادت إرسال رسالة ردع، لكنها لم تغلق الباب أمام خيارات إيران التصعيدية.

ويضيف غباشي - في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، إن إيران تدرك جيدًا قواعد اللعبة، وقد تكون استبقت الضربات بخطوات وقائية مثل: نقل المواد المخصبة وأجهزة الطرد المركزي المتطورة إلى مواقع بديلة أو تحت الأرض، ما يجعل من إعلان تدمير البرنامج "مبالغة سياسية" أكثر من كونه حقيقة استراتيجية.

وأكد، أن المعركة لم تعد عسكرية فقط، بل انتقلت إلى مستويات أكثر تعقيدًا، تشمل المواجهة السيبرانية، والحرب النفسية، وتكتيكات الإنكار والتمويه، ما يعني أن البرنامج قد يتحول إلى "شبح نووي"، من الصعب تتبعه أو تأكيد نهايته.