في ذكرى المقاطعة.. أين قطر الآن؟... انهيار اقتصادي وعزلة وتفاقُم أزمات
3 أعوام كاملة مضت على إعلان "مصر والإمارات والسعودية والبحرين" مقاطعتهم الدبلوماسية لقطر بعد فضح دعمها للإرهاب ونشر الفوضى والفساد وزعزعة الأمن والاستقرار بالدول العربية، لتتخذ موقفا حاسما مع تنظيم الحمدين، في 5 يونيو 2017.
ورغم صحة اتهامات دول الرباعي العربي، إلا أن سياسات قطر من المماطلة والازدواجية والادعاءات مازالت مستمرة، لتتقدم الدول الأربعة لاحقاً بثلاثة عشر مطلبا لإعادة العلاقات مع الدوحة، في إطار الالتزام باتفاق الرياض ٢٠١٣ والاتفاقية التكميلية لعام ٢٠١٤، وهو ما رفضته قطر مجددا واستمرت في اتباع التشويه والاستنكار وترويج الشائعات والتآمر على الرباعي، واستفزازهم بتوطيد العلاقات مع تركيا وإيران أيضا.
انهيار اقتصادي
تسببت المقاطعة العربية في آثار جسيمة على قطر، على رأسها تدهور الاقتصاد بشكل متسارع لم تتمكن معه السلطة من إصلاحه أو وقف النزيف به، حيث أظهرت أحدث البيانات الرسمية انكماش اقتصاد قطر بنسبة 0.6% في الربع الأخير من 2019، مقارنة مع نفس الفترة قبل عام، فيما تراجعت أنشطة التعدين والمحاجر بنسبة 3.4% مقارنة مع الفترة نفسها العام الماضي.
وتراجع أيضاً الناتج المحلي الإجمالي في قطر بنسبة 1.4% في الربع الرابع من العام الماضي مقارنة مع الربع الثالث من 2019، وهو ما يثبت أن جائحة كورونا ستواصل إلحاق الضرر باقتصاد قطر وأسواقها المالية، وقد تؤدي إلى تسجيل ركود هذا العام.
فيما توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد القطري العام الجاري بنسبة 4.3 %، كما توقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أن يدخل الاقتصاد القطري دائرة الانكماش العام الجاري، وأنه سينكمش بنحو ٢٪ العام الجاري، بعد نمو متواضع بلغ نحو ٠.٦٪ العام الماضي.
وأضافت الوكالة أنه من المرجح خفض إيرادات القطاع الهيدروكربوني ما سيضعف بالتبعية الإنفاق الحكومي، مشيرة إلى أنه: "أعلنت الحكومة عن حزمة تحفيز في مارس الجاري بقيمة 75 مليار ريال للقطاع الخاص، وهي الحزمة التي لا نراها كافية لحماية أصول القطاع المصرفي من الضغوط المتوقعة مع الأخذ بالاعتبار أن تلك الحزمة لا تمثل سوى 10% من إجمالي إقراض القطاع المصرفي للقطاع الخاص".
وتوقعت أن يضغط ذلك على جودة الأصول لدى البنوك القطرية والتي لديها محفظة قروض كبيرة بالوقت الحالي لقطاعات متأثرة بشدة، وبين القطاعات ذات الأداء السلبي بجانب البنوك القطرية هو القطاع العقاري بسبب الهبوط الضخم به مع القيود المفروضة على حركة السفر في سوق مشبعة بالأساس.
ورجحت أيضا أن تلقي الأزمة بظلالها على القطاع المصرفي القطري، لضعف قدرة تلك البنوك على الولوج إلى أسواق المال الدولية لإعادة تمويل الديون من تشديد أوضاع السيولة بالأسواق الخارجية على خلفية انتشار جائحة كورونا.
وفي الوقت نفسه، سجل الغاز الطبيعي المسال خسائر فادحة في قطر، حيث أجل بعض المستوردين من قطر أكثر من 18 شحنة كان من المفترض تسليمها على مدار الأشهر المقبلة، وطلبوا تسليم جزء منها في عام 2021، مع اتجاه لأن تحد الدوحة مخزونات الغاز الطبيعي المسال المرتفعة في البلاد مع إمكانية التخزين في الأشهر المقبلة.
وهو ما دفع شركة قطر للبترول أن تبدأ في تسويق نفطها المتراكم في الأسواق بأسعار رخيصة، في ظل تراجع حادّ في الإيرادات وتصاعد النفقات وسط توقف عجلة الإنتاج إثر تفشي كورونا وانهيار الاقتصاد القطري.
وفي مطلع الشهر الماضي، سجلت بورصة قطر نزيفا بالغا تعيشه منذ بداية العام حتى فقدت 20.55% من قيمتها، وفقا لبيان صادر عن بورصة قطر وضربت الخسائر جميع قطاعات الشركات المتداولة، حيث تراجع مؤشر قطاع التأمين بواقع 26.74%، فضلا عن خسارة قطاع الصناعات 29.33% من رصيده.
خسائر الخطوط الجوية القطرية
تلقت الخطوط الجوية القطرية ضربات قوية، حيث إن حجم عملياتها تراجع مؤخرا لأكثر من 75%، وتم وقف 75% من أسطول الخطوط القطرية، وفيما قلت أعداد المسافرين بمطار حمد الدولي إلى 90% مقارنة بما قبل الأزمة، فيما تراجع صافي أرباح استثمار القابضة في 2019 وانخفض 5.6% إلى 55.07 مليون ريال قطري لتوصي بعدم توزيع أرباح والعائد على السهم 0.066 ريال قطري.
وبسب ذلك التدهور لدى الخطوط الجوية القطرية، أعلنت قبل أيام، أن الموظفين من المستوى المتوسط وما فوقه ستنخفض رواتبهم إلى النصف لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، مضيفة أن هذا التأجيل الجزئي للرواتب هو إجراء مؤقت من المتوقع أن يستمر لثلاثة شهور بدءا من إبريل، رغم أنها أشارت إلى أنه قد يجري تمديده "تبعا للوضع الاقتصادي"، مدعية أن الجزء غير المدفوع من الرواتب سيجري دفعه "في أقرب وقت ممكن عندما تسمح الظروف"، دون أي تفاصيل عن أعداد هؤلاء الموظفين.
وفي 18 مارس الماضي، استغنت الخطوط الجوية القطرية بشكل مفاجئ عن نحو 200 موظف فلبيني في قطر، بينما قال الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط القطرية "أكبر الباكر" إن الشركة ستضطر في نهاية المطاف لطلب دعم حكومي، محذرا من قرب نفاد السيولة الضرورية لتسيير رحلات.
عزلة
باتت قطر معزولة تماما عن إقليمها العربي، حيث تقطعت كافة علاقاتها بشكل كبير مع الدول العربية في ظل المقاطعة ودعمها للإرهاب المستمر، بينما تحاول التودد بشدة إلى عمان وتونس، لتلقى صفعات على وجهها جراء المبالغة في نشر الأخبار بشأن علاقاتها معهم.
وبينما تجاهلتها الدول الكبرى وعلى رأسهم أميركا، لم تعد قطر ترتبط بعلاقات وثيقة سوى مع باقي أركان مثلث الشر، وهم تركيا وإيران، لتبادر بدعمهم بكل السبل، وقدمت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان 10 مليارات دولار من أجل إنقاذه ومساعدته، رغم الانهيار الاقتصادي الذي يتألم منه الشعب القطري، وحتى في ظل أوضاع فيروس كورونا المستجد، ليرسل تميم بن حمد آل ثاني حزمة أموال جديدة لتركيا من أجل مساندتها في إجراءاتها ضد الفيروس القاتل، فضلا عن إرساله 3 شحنات طبية إلى إيران دون الاكتراث بشعبه الذين يعانون من المرض أو أن يطلق حزمة إجراءات لعلاجهم أو إصلاح المنظومة الصحية المتدهورة.
تفاقُم أزمات
وجراء تلك المقاطعة والسياسات الخاطئة والأزمات المتلاحقة، تفاقمت تلك المشاكل بشدة في الداخل القطري، بينما أصبحت مراكز التسوق والفنادق التي كانت تعج أحيانا بالسائحين السعوديين والإماراتيين شبه خالية، بينما تفاقم الوضع في البلاد جراء عدم وجود مساعدات أو مساندات عربية، لاسيما خلال أزمة كورونا ليتجاوز عدد المصابين فيها حاجز الـ15 ألف حالة لتكون الأعلى بين دول الخليج.
كما تضاعفت الأزمة الدولية بالنسبة لأوضاع العمال الأجانب، الذين يعيشون حاليا في معسكرات للموت، دون حماية صحية أو مجتمعية وغياب للمرافق وتدهور الطعام والمياه، فضلا عن عدم حصولهم على رواتبهم وأزمة الكفيل، ليتفشى بينهم فيروس كورونا، ووفقا لأحدث إحصائية نشرها مركز الأمراض الانتقالية التابع لمؤسسة حمد الطبية بقطر، فإن نسب الإصابة بفيروس كورونا في الدوحة، بين العمال، هي كالتالي: "الهند: 32%، نيبال: 20%، بنغلاديش: 18%، باكستان: 6%، الفلبين: 4%".
واعترف مدير إدارة تفتيش العمل في وزارة التنمية الإدارية والشؤون الاجتماعية القطرية، محمد المير، بأن العمال في بلاده يعانون من أوضاع صعبة، حيث إن معسكرات العمال أصبحت تستوعب عمالا أكثر من قدرتها بكثير، مشيرا إلى أن الشقة المكونة من غرفتين إلى ثلاث يفترض أن تستوعب 5-6 عمال، لكن يسكنها في الحقيقة أكثر من 10 أشخاص وهو أمر غير قانوني، خاصة في ظل تفشي كورونا.
ادّعاءات مستمرة
لم تظهر قطر يوما العمل بجدية لإصلاح الأوضاع وحل الأزمة مع الرباعي العربي، وإنما انتهجت سياسة الأكاذيب والخداع والتشويه، حيث في البداية زعمت أن بعض القطريين والمقيمين في دول المقاطعة تعرضوا لانتهاكات، منها الحرمان من أداء مناسك الحج والعمرة، والوصول إلى أملاكهم، بالإضافة إلى عرقلة التواصل بين أفراد الأسر المشتركة.
كما عملت جهدا كبيرا على إطلاق الشائعات من كل حدب وصوب، فسعت للنيل من قادة دول الرباعي العربي، بين ولي عهد أبو طبي الشيخ محمد بن زايد، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذين لم يسلموا من تلك الشائعات والأكاذيب طوال الوقت، لا سيما من خلال بوق السلطة القطرية قناة "الجزيرة".
ومنذ مطلع العام الجاري 2020، أغلق "فيس بوك" و"إنستجرام"، و"تويتر"، المئات من الحسابات والصفحات والمجموعات ذات الصلة بالنظام القطري والتي تعود إلى شركة هندية معنية بالتسويق الرقمي، بعد فضح أنشطتها الترويجية للدوحة ولنظام الحمدين، وضخ العديد من الأخبار المزيفة ضد الرباعي العربي.
وكشف "فيس بوك"، أنه خلال شهر فبراير 2020، تم حذف 37 حسابا عبره، و32 صفحة، و11 مجموعة، و42 حسابا على إنستجرام، انطلقت من الهند تستهدف جيران قطر بشكل ممنهج في الكثير من الحملات العدائية ضد الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة، بينما تثني في المقابل على قطر، وأطلقت على عملية المتابعة تلك اسم "عملية البطاقة الحمراء".
فرص ضائعة
وعلى مدار سنوات أضاع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الكثير من الفرص الحقيقية لإصلاح أوضاع بلاده، ليكون دول الرباعي العربي هم الأكثر حرصا على الشعب القطري، حيث بسطوا أيديهم أكثر من مرة لحل الأزمة بينما أجهضت الدوحة ذلك عدة مرات.
آخرها القمة العربية في ديسمبر الماضي، ورسائل السعودية في يناير 2020، عبر كلمة ألقاها وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل بن أحمد الجبير في البرلمان الأوروبي، حيث حدد ٣ أسباب لاستمرار الأزمة، على رأسها أن تنظيم الحمدين مستمر في دعمه للإرهاب، والتدخل في شؤون المملكة ودول المنطقة، واستخدام وسائله الإعلامية لترويج خطاب الكراهية.
وأضاف الجبير أنه: "على الإخوة القطريين تغيير سلوكهم، والمملكة عملت على الحفاظ- قدر الإمكان- على سير أداء مجلس التعاون الخليجي"، وهو ما أظهر مدى الحرص السعودي على مصالح الأمة العربية والعلاقات الأخوية والشعب القطري، وبرهنت عليه بالفعل عبر توفير التسهيلات اللازمة للوفود القطرية للمشاركة في الاجتماعات الخليجية بالمملكة.