الأفارقة بين خطر كورونا ومقصلة الجوع
دائمًا ما تدفع إفريقيا الثمن الأكبر لكل الكوارث التي تحل على العالم، الدول الإفريقية دائمًا ما نجدها مرتبطة في أذهان البشر من كل بلدان العالم بالمجاعات، وهو ما يعود الآن مع ظهور بوادر لأزمة غذائية حقيقية تهدد حياة الملايين في ظل إجراءات وتدابير عالمية فرضها تفشي فيروس كورونا في كل دول العالم.
القارة الإفريقية بقيت صامدة أطول وقت ممكن أمام انتشار فيروس كورونا، لكنه نجح في اختراقها رغم الحظر على التجمعات وإغلاق المدارس والمطاعم والقيود المفروضة على التنقل والسفر الجوي، وصار الفيروس موجودًا في أكثر من 40 دولة إفريقية، بحسب ما ذكر فرع القارة الإفريقية في منظمة الصحة العالمية.
وأكدت تقارير إعلامية عالمية، أن تفشي فيروس كورونا في كل بلدان إفريقيا يهدد بانهيار المنظومة الغذائية بأكملها، والسبب الرئيسي يرجع إلى القيود التي فرضت في جميع دول العالم وأبرزها تعليق الحركة البحرية والجوية والحجر الصحي على مئات الملايين من البشر وإغلاق الحدود والتوقف عن تصدير المواد الغذائية في محاولة لتوفير غطاء غذائي لكل دولة.
إفريقيا الضحية الأولى.. منظمات دولية تحذّر من أزمة غذائية عالمية
وعبَّرت هيلين باسكويري رئيسة الأمن الغذائي في منظمة "العمل ضد الجوع" عن قلقها بشأن تداعيات أزمة كورونا على البلدان الإفريقية التي تعاني من النزاعات، مثل دول الساحل، وبلدان أخرى في شرق القارة تشهد الآن انتشار الجراد الصحراوي.
كما بدأت عدة منظمات دولية، في نشر تحذيرات من أزمة غذائية عالمية، تضرب في البداية الدول الإفريقية، حيث أوضح خبراء في الصحة والغذاء أن تأثير الوباء أشد فتكًا على الدول النامية التي يتركز فيها الغالبية العظمى من البشر الذين يعانون من سوء التغذية.
إحصاءات الأمم المتحدة أكدت أن هناك ربع مليار شخص يعانون من سوء التغذية وضعف الجهاز المناعي في إفريقيا فقط، مؤكدين أن هؤلاء يمثلون فريسة سهلة لفيروس كورونا المستجد، وحذّرت منظمات الإغاثة العاملة في إفريقيا أن تدابير مكافحة كورونا ستزيد حالات الهجرة غير الشرعية والنازحين إلى أوروبا هربًا من الموت جوعًا في القارة السمراء.
الأمم المتحدة أكدت أنه من خلال مراقبة حالات لتفشي أوبئة سابقًا مثل الكوليرا والملاريا وإيبولا، أن الأنظمة الصحية في إفريقيا تتسم بالهشاشة، كما تعاني من نقص شديد في الموارد.
وبالتالي فإن انتشار الوباء في إفريقيا قد يكون وبالًا على الدول وشعوبها عمومًا، وعلى الأنظمة الصحية بشكل خاص، ومن ثَمّ على اقتصاداتها، وتحديدًا في الدول الأشد فقرًا في القارة.
من جانبه، دعا رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم قادة الاتحاد الإفريقي إلى العمل بنهج متكامل؛ استعدادًا لما وصفها بالعاصفة الوشيكة في حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في القارة.
وقال أدهانوم: إن على القادة الأفارقة الإسراع في الحصول على الأدوية واللقاحات، وجاءت هذه الدعوة في القمة الافتراضية المصغرة التي شارك فيها رؤساء تسع دول إفريقية ورئيس المفوضية الإفريقية ورئيس منظمة الصحة العالمية.
رغم عمل ثلثي الأفارقة بالزراعة، إلا أن الفترة القادمة الأخطر في تاريخ إفريقيا
المثير للدهشة في إفريقيا، أن حوالي 60% من أهلها يعملون في القطاعات الزراعية، ويبدأ الموسم الزراعي في تلك الفترة الحرجة في تاريخ العالم، الأمر الأكثر خطورة هو ضرورة حصول المزارعين الأفارقة على البذور والأسمدة والمواد الضرورية لإتمام العملية الزراعية، وهو ما يتعذر حاليًا بسبب الإجراءات الاحترازية العالمية؛ ما يؤكد أن الفترة القادمة ستكون الأكثر خطورة في تاريخ إفريقيا.
ومن جانبه أبدى أبيبي هيلي غابرييل ممثل إفريقيا لدى منظمة الأغذية والزراعة (فاو) استنكاره من الصمت المطبق حول أزمة الغذاء التي تلوح جراء التدابير الحكومية التي تهدف لاحتواء كورونا، ودعا وزراء الزراعة بالقارة السمراء لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة دون المس بجهود احتواء كورونا.
ودعت لولا كاسترو المنسقة الإقليمية لبرنامج الغذاء العالمي حكومات الدول الإفريقية لتقديم مساعدات اقتصادية فورية لجميع الأشخاص الذين فقدوا عملهم بسبب الحجر الصحي، وباتوا غير قادرين على تلبية حاجياتهم الغذائية.
وحسب المنسقة الإقليمية فإن إفريقيا مختلفة تمامًا عن أوروبا، وبقاء الناس في منازلهم لعدة أيام يعد أمرًا صعبًا للغاية، وهناك منهم من يقولون "سأموت بالجوع بدل فيروس كورونا لأنني لا أملك المال لشراء سلتي الغذائية الأساسية".
رغم محاولات متواضعة من بعض الحكومات لتقديم مساعدات مالية لمن فقدوا عملهم إلى جانب تسهيلات أخرى من قبيل الإعفاءات الضريبية.
وأعربت المسؤولة الغذائية عن قلقها بشأن دول مثل مالاوي وزيمبابوي وموزمبيق، ودعت القطاع الخاص إلى المشاركة في المجهودات المبذولة لمكافحة الفيروس.
التباعد الاجتماعي مستحيل في الصومال.. عائلات تعيش في منزل واحد
يقول، سعدان محمد، مدرس، 40 عامًا من الصومال، العالم يتحدث عن بعض المصطلحات الضرورية للنجاة ومحاربة فيروس كورونا، أبرزها البقاء في المنزل، والتباعد الاجتماعي، والعزل الذاتي، إلا أن تلك المسميات لا تصلح في إفريقيا، معظم العائلات هنا تعيش في منزل يتكدسون فيه، الشوارع أكثر فالتباعد الاجتماعي في الشوارع أفضل من المنازل ألف مرة.
وتابع: عائلتي و6 عائلات أخرى نتشارك في صنابير الماء والمراحيض، ومعظمنا يعيش على العمل اليومي، فما يصلح لكل دول العالم لا يصلح لنا، بدأنا نشعر بأزمة الغذاء تدريجيًا، فنحن بحكم العادة أكثر شعوب الأرض تعرضًا للمجاعات وقادرون على الاحتمال لأبعد مدى، ولكن الرعب الحقيقي هو انشغال جميع دول العالم بنفسها الآن، وإذا ما ضربت أزمة الصومال فلن نجد مساعدة حقيقية من أحد.
وأضاف: حتى الآن لم تعلن وزارة الصحة الصومالية إلا عن حالتي وفاة بفيروس كورونا بالإضافة إلى 21 إصابة، أحد المتوفين مسؤول حكومي كبير، وهذا هو مصدر خوفنا، فنحن ندرك أن ضعف المنظومة الصحية أبرز أسباب تجاهل إجراء التحاليل لعامة الشعب، ورغم ذلك فالقلق الحقيقي بين الصوماليين ليس قلقًا من كورونا، ولكن من تداعيات تفشي الوباء في العالم وخوفًا من مجاعة غير مسبوقة في ظل عدم قدرة معظم الدول على مد يد المساعدة نتيجة انهيار الاقتصاد العالمي.
في السودان نواجه "كورونا" بلا بنية تحتية على الإطلاق
في السياق نفسه، يقول عمر حسن، 33 عامًا، سوداني، الجميع يشعر بالخوف، فالقطاع الصحي في السودان منهار قبل ظهور كورونا، فالبنية التحتية الصحية تم استهلاكها وتدميرها تمامًا خلال فترة وجود الرئيس السابق عمر البشير، فآخر الإحصاءات كشفت عن توفر 25 طبيبًا سودانيًا فقط لكل 100 ألف مواطن، ورغم خطورة الرقم إلا أن الوضع أكثر سوءًا بكثير، مضيفًا أن الأزمة الأكثر إثارة للخوف من كورونا الآن هي ظهور بوادر لأزمة غذائية قادمة، في ظل انهيار اقتصادي عالمي.
وتابع حسن: نحن في السودان مطالبون بمواجهة كورونا بلا بنية تحتية على الإطلاق ولا حتى أطباء فجميع الأطباء في السودان يفضلون السفر بعيدًا بلا عودة، بسبب تدني الأجور في بلادي وتدهور البنية التحتية؛ فالسودان بها أقل ميزانية للصحة في العالم تقريبًا بما لا يزيد على 4% من الموازنة العامة، مضيفًا الأيام الماضية تعرض الأطباء لحالات اعتداء من المواطنين؛ ما اضطر الشرطة لتوفير حماية للكوادر الطبية خوفًا من رفض تلك الكوادر للعمل في ظل الظروف الصعبة في ظل تزايد تفشي وباء كورونا في السودان.