مخطط إسرائيلي لتقسيم الجنوب السوري.. رفضٌ درزي وتصعيد شعبي
مخطط إسرائيلي لتقسيم الجنوب السوري.. رفضٌ درزي وتصعيد شعبي

في ظل التوترات المتصاعدة بجنوب سوريا والاستهدافات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، تتكشف ملامح خطة جديدة تسعى تل أبيب لفرضها على الأرض، مستغلة التحولات السياسية التي أعقبت سقوط النظام السوري السابق، التقارير الواردة تُشير إلى أن إسرائيل تُحاول إعادة رسم المشهد في الجنوب عبر استمالة الأقلية الدرزية، والترويج لنظام فيدرالي يفصل المناطق العرقية، مع جعل الحدود الجنوبية منزوعة السلاح، هذه التحركات، التي تترافق مع توغلات عسكرية إسرائيلية في الجولان ومحيطه، تُثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذا المخطط، لا سيما مع تصاعد الرفض الشعبي داخل سوريا، واتهامات لإسرائيل بمحاولة تقسيم البلاد تحت غطاء "حماية الأقليات"، فهل ينجح هذا المشروع في تحقيق أهدافه، أم أنه سيصطدم بصخرة الرفض السوري؟
مشروع في الأفق.. أهداف معلنة وأجندة خفية
مع استمرار الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع مختلفة في الجنوب السوري، برزت مؤشرات على وجود خطة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية في تلك المنطقة، وفق ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وفقًا لمصادر مطلعة، تسعى تل أبيب لإقناع الأقلية الدرزية في سوريا باتخاذ موقف معارض للحكومة الجديدة، عبر تقديم وعود مالية ودعم سياسي.
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن إسرائيل زعمت أنها خصصت أكثر من مليار دولار لمساعدة الدروز، في خطوة يرى مراقبون أنها محاولة لجذب تأييد هذه الطائفة لمشروع تقسيم سوريا إلى مناطق فيدرالية مستقلة، تحت ذرائع متعددة.
الحدود الجنوبية.. منزوعة السلاح؟
إلى جانب العمل على كسب تأييد الدروز، تشير المعلومات إلى أن إسرائيل تُحاول دفع القوى الدولية لدعم مقترح تحويل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح، ما يمنحها نفوذًا أمنيًا أوسع في الجولان وما بعده.
هذا التوجه يتماشى مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أكد، الأسبوع الماضي، التزامه "بحماية الأقلية الدرزية"، وهي تصريحات أثارت استياءً واسعًا في المناطق السورية ذات الغالبية الدرزية، حيث اندلعت احتجاجات تُندد بأي محاولة لتفكيك وحدة البلاد.
رفض درزي وإدانة وطنية
ورغم الإغراءات المالية والسياسية التي تُروج لها إسرائيل، إلا أن الموقف الدرزي داخل سوريا جاء حاسمًا في رفض أي تدخلات خارجية.
قادة الطائفة الدرزية، وعلى رأسهم شيخ العقل حكمت الهجري، شددوا على تمسكهم بوحدة الأراضي السورية، ورفضهم أية محاولة لتوظيف قضيتهم في مشاريع تخدم أجندات أجنبية.
في المقابل، تتصاعد التحذيرات من خطورة هذا المشروع، حيث ترى دمشق أن ما يجري ليس سوى محاولة لإعادة إحياء مشاريع التقسيم التي فشلت سابقًا.
وفي هذا السياق، خرجت مظاهرات في مناطق جنوبية عدة، رفع فيها المحتجون شعارات تُؤكد رفض المخطط الإسرائيلي، ورفض أي مشاريع تفتيتية تحت أي مسمى.
توغل عسكري.. هل يتجاوز الخطوط الحمراء؟
المخطط السياسي لم يكن التحرك الوحيد على الأرض، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات عسكرية إسرائيلية لافتة.
منذ سقوط النظام السوري السابق في ديسمبر الماضي، عزز الجيش الإسرائيلي وجوده في المنطقة العازلة بالجولان المحتل، وتمركز في أكثر من 10 مواقع جديدة.
ولم تقتصر التحركات العسكرية على الجولان، بل امتدت إلى الجانب الشرقي من جبل الشيخ، حيث تدّعي إسرائيل أن هذه الخطوات "دفاعية" تهدف إلى احتواء أي تهديد محتمل من الجانب السوري.
غير أن هذه التفسيرات لم تقنع المراقبين، الذين يرون أن تل أبيب تسعى إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، مستغلة حالة الاضطراب السياسي داخل سوريا.
المشهد القادم.. إلى أين يتجه الجنوب السوري؟
من جانبه، يقول المحلل السياسي السوري أحمد محارم، إن التحركات الإسرائيلية الأخيرة جنوب سوريا تندرج ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى استغلال الفراغ السياسي بعد سقوط النظام السابق، ومحاولة فرض واقع جديد يخدم المصالح الإسرائيلية على المدى البعيد.
ويُؤكد محارم في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تل أبيب تُحاول إعادة إنتاج تجربة "جيش لبنان الجنوبي" عبر استمالة فئة معينة من المجتمع السوري، واستخدامها كذراع محلية لتنفيذ أجنداتها، لكن هذه المحاولات تصطدم بواقع مختلف تمامًا، حيث يرفض الدروز في سوريا أي مشاريع تقسيمية أو تدخلات خارجية.
ويُضيف محارم، أن إسرائيل تدرك أن أي تغيير في ميزان القوى جنوب سوريا قد يُؤثر بشكل مباشر على أمنها القومي، لذلك تعمل على تحصين نفوذها من خلال مخطط تحويل المنطقة إلى كيان منزوٍ سياسيًا وأمنيًا، تمهيدًا لفصلها عن دمشق. لكنه يشدد على أن الرفض الشعبي والموقف الوطني الموحّد للطائفة الدرزية يُشكلان حاجزًا صلبًا أمام هذه المشاريع، خاصة في ظل تصاعد الاحتجاجات التي أكدت تمسك الدروز بوحدة سوريا.
ويختتم قائلًا: "إسرائيل تُحاول اللعب بالنار في الجنوب السوري، لكن الأرضية ليست مُمهّدة لهذه المخططات، والشعب السوري أثبت مرارًا أن مصير بلاده لا تُحدده العواصم الأجنبية".