مستقبل غامض لـ بوركينافاسو.. انقلاب فاشل وإرهاب يمزق البلاد.. ماذا يحدث
مستقبل غامض لـ بوركينافاسو.. انقلاب فاشل وإرهاب يمزق البلاد.. ماذا يحدث
في ظل الأوضاع السياسية المتقلبة التي تعيشها بوركينا فاسو، كشفت الحكومة عن إحباط محاولة انقلابية جرت الشهر الماضي، شارك فيها الرئيس المؤقت السابق وعدد من العسكريين والإرهابيين.
تأتي هذه المحاولة ضمن سلسلة من الانقلابات والتوترات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، في ظل تنامي التهديدات الإرهابية المسلحة التي باتت تُسيطر على مناطق واسعة، وخاصة في الشمال.
*سلسلة انقلابات*
بوركينا فاسو عاشت موجة من الانقلابات المتكررة في السنوات الأخيرة.
ففي يناير 2022، شهدت البلاد انقلاباً تولى بموجبه بول هنري سانداوغو داميبا السلطة. ولكن بعد مرور ثمانية أشهر فقط، أُطيح بدميبا في انقلاب آخر قاده الرئيس الحالي إبراهيم تراوري.
منذ ذلك الحين، أعلن تراوري مراراً عن إحباط عدة محاولات انقلابية هدفت إلى زعزعة استقرار البلاد.
ونقلت وكالة "نوفا" الإيطالية للأنباء تصريحات وزير الأمن في بوركينا فاسو، محمدو سانا، التي كشف فيها عن تفاصيل محاولة الانقلاب الأخيرة.
أشار سانا إلى أن داميبا، الرئيس المؤقت السابق، كان متورطاً في تلك المحاولة الفاشلة، وأن الهجوم الإرهابي الذي وقع في 24 أغسطس الماضي على قرية "بارسالوغو"، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، كان مقدمة لتحرك الانقلابيين.
*مخطط الانقلاب: دعم خارجي وتورط إرهابي*
بحسب البيان الرسمي، أشار سانا إلى تورط عدد من المدنيين والعسكريين المقيمين في الخارج في التخطيط للانقلاب، متهمًا إياهم بمحاولة زعزعة استقرار البلاد بالتعاون مع قوى أجنبية. تم دفع أموال لجماعات إرهابية لتسهيل هذه العملية من خلال شن هجمات تستهدف المؤسسات الحكومية والمواقع العسكرية.
أوضح سانا، أن المخطط شمل هجوماً على القصر الرئاسي في العاصمة واغادوغو، إلى جانب استهداف قاعدة الطائرات العسكرية ومطار رئيسي، وتنفيذ هجمات بالقرب من الحدود مع ساحل العاج.
وفقاً للتخطيط، كانت المجموعة الأولى، المكونة من 150 إرهابياً، تستهدف القصر الرئاسي، بينما كانت مجموعة أخرى تخطط للهجوم على قاعدة الطائرات بدون طيار. أما المجموعة الثالثة، فكانت قادمة من ساحل العاج لتنفيذ هجمات على الحدود، بهدف تشتيت قوات الجيش والدفاع البوركينابي.
*دور تراوري في مواجهة التحديات الأمنية*
إبراهيم تراوري، البالغ من العمر 36 عامًا، يُعد أصغر رئيس في تاريخ بوركينا فاسو. منذ توليه السلطة في عام 2022، واجه تراوري العديد من التحديات الأمنية والسياسية، وعلى رأسها محاربة الإرهاب المتفشي في البلاد. يُعتبر تراوري زعيماً مؤقتاً، لكنه تعهد مراراً بالقضاء على الإرهاب.
وبدلاً من أن يغادر الحكم بعد فترة وجيزة كما وعد، تم تفويضه من قبل زعماء سياسيين ودينيين لقيادة البلاد لمدة خمس سنوات أخرى.
تراوري دعا شعبه إلى دعم الجيش، وحثهم على تسليم المتورطين في التعاون مع الجماعات الإرهابية. ورغم الجهود المبذولة، ما زالت الجماعات الإرهابية تسيطر على أجزاء من الريف، حيث يفرضون حصارًا على العديد من البلدات والمدن.
*تهديدات داخلية وخارجية*
على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها تراوري لمحاربة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الداخلي، إلا أن التهديدات لا تأتي فقط من الجماعات المسلحة، بل أيضًا من قوى خارجية.
اتهم تراوري الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتهديد سيادة بلاده، ما أدى إلى اتخاذ قرار بطرد القوات الخاصة الفرنسية المتمركزة في البلاد العام الماضي.
في إطار بحثه عن بدائل للدعم الخارجي، جنّد تراوري مستشارين من روسيا. خلال زيارته لسان بطرسبرغ في الصيف الماضي، أعرب تراوري عن إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرًا إليه بأنه يعتبره "مثل العائلة". يأتي هذا التقارب مع روسيا في ظل التوترات المتزايدة مع الغرب، والذي بات ينعكس على التوازنات السياسية في البلاد.
*تزايد العنف وتفاقم الأزمة الإنسانية*
التحديات الأمنية التي تواجهها بوركينا فاسو لم تقتصر على محاولات الانقلاب، بل تتسع لتشمل استمرار الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة الآلاف.
وفقاً للمحللين، فقد قُتل أكثر من 8000 شخص في العام الماضي نتيجة للصراع بين الإرهابيين والجيش، وهو ضعف عدد الضحايا مقارنة بعام 2022. كما أسفرت الأزمة عن نزوح ما يقرب من 3 ملايين شخص، وهو رقم هائل بالنسبة لدولة يبلغ تعداد سكانها 23 مليون نسمة.
تعود جذور الأزمة الأمنية في بوركينا فاسو إلى عام 2015، عندما تسللت الجماعات الإرهابية المسلحة من مالي المجاورة إلى شمال البلاد، وبدأت بشن هجمات تستهدف المدنيين والعسكريين على حد سواء. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المناطق الشمالية والشرقية مرتعاً للجماعات المسلحة التي تسعى لفرض سيطرتها على تلك المناطق.
*مستقبل غامض*
بينما يحاول تراوري الحفاظ على الاستقرار السياسي ومحاربة الإرهاب، تواجه بوركينا فاسو تحديات كبيرة على جميع الأصعدة.
الجماعات المسلحة ما زالت تشكل تهديدًا وجوديًا للدولة، والتوترات مع القوى الغربية تضيف المزيد من التعقيدات على المشهد السياسي. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، يبقى مستقبل بوركينا فاسو غامضًا في ظل هذه الظروف.
التحديات الأمنية والاقتصادية والإنسانية التي تعصف بالبلاد تتطلب جهودًا دولية ومحلية منسقة لتحقيق الاستقرار. ومع استمرار النزاعات وتفاقم الأزمة الإنسانية، تظل الأوضاع في بوركينا فاسو بعيدة عن الحلول السريعة أو السهلة.