من دروس غزة إلى جبهة لبنان.. كيف يجهز الجيش الإسرائيلي لحرب ضد حزب الله
من دروس غزة إلى جبهة لبنان.. كيف يجهز الجيش الإسرائيلي لحرب ضد حزب الله
في ظل ضباب الحرب الذي يخيّم على حدود لبنان الجنوبية، تتسارع في إسرائيل وتيرة التحضيرات العسكرية كأنّ المواجهة غدًا، فالتدريبات الجوية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي لم تعد مجرد مناورات روتينية، بل تبدو أقرب إلى بروفة ميدانية لحربٍ قد تندلع في أي لحظة مع حزب الله، وتكشف التحركات الأخيرة عن إعادة تموضع شاملة في العقيدة الدفاعية والهجومية، بعد صدمة 7 أكتوبر التي خلّفت شرخًا عميقًا في ثقة الجيش الإسرائيلي بقدرته على الردع السريع، من تطوير قدرات المروحيات إلى تغيير آليات نقل القوات الخاصة، ومن إعادة النظر في قواعد الاشتباك إلى مراجعة مفهوم "الحدود الذكية"، تتحرك تل أبيب بخطى محسوبة لتفادي تكرار إخفاقاتها السابقة. إنها لحظة استنفار استباقي، تحمل في طيّاتها رسالة مزدوجة: الاستعداد للرد، والاستعداد للهجوم في آن واحد.
حرب محتملة
تسود أجواء من الترقب والقلق في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، مع تزايد المؤشرات على اقتراب مواجهة جديدة مع حزب الله، قد تكون الأوسع منذ حرب يوليو 2006، فبعد شهور من المناوشات المتقطعة عبر الحدود، قررت قيادة الجيش الإسرائيلي الانتقال من مرحلة "الرد المحدود" إلى مرحلة "الجاهزية القصوى"، عبر سلسلة تدريبات وتحركات ميدانية وصفتها صحيفة معاريف بأنها: "أوسع مراجعة عسكرية منذ أكثر من عقد".
وفقًا للتقارير الإسرائيلية، ركز سلاح الجو على تطوير قدرات المروحيات الهجومية والنقل السريع، في إطار خطة تهدف إلى تعزيز التكامل بين القوات الجوية والبرية.
وتشمل الخطة الجديدة إعادة تعريف مهام وحدات الإسناد الجوي، بحيث تكون قادرة على التدخل الفوري في حال اندلاع مواجهة مباغتة مع حزب الله في الشمال.
اللا مركزية في إدارة المعارك
وقال أحد كبار الضباط في سلاح الجو: إنّ "التحقيقات التي أُجريت بعد إخفاقات 7 أكتوبر قادت إلى تغييرات جذرية في أسلوب التفكير العسكري"، مضيفًا أن الجيش يعمل حاليًا على بناء "منصات جوية مستقلة قادرة على اتخاذ القرار والتنسيق الميداني دون الرجوع إلى القيادة المركزية"، وهو ما يعكس توجهًا نحو اللامركزية في إدارة المعارك.
وبينما تُظهر المناورات الجوية الأخيرة رغبة الجيش الإسرائيلي في اختبار جاهزيته، فإن الرسائل السياسية المرافقة لها تبدو أوضح من أي وقت مضى، فإسرائيل لا تريد حربًا، لكنها تستعد لها وكأنها حتمية، وتشير مصادر عسكرية إلى أن المناورات الأخيرة تضمنت محاكاة لسيناريوهات متعددة، من بينها هجمات متزامنة على قواعد إسرائيلية في الجليل الأعلى ومحاولات اختراق برية من قبل مقاتلي حزب الله، إضافة إلى عمليات إنقاذ وإخلاء لمناطق مدنية شمال البلاد.
مخاوف من حرب إقليمية أوسع
وتتزامن هذه التحركات مع نقاشات حامية داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية حول ميزانية الدفاع وخطط رئيس الأركان إيال زامير لتوسيع قدرات الجيش، إذ تطالب قيادة سلاح الجو بمضاعفة أسطول المروحيات الهجومية من طراز "أباتشي"، باعتبارها ركيزة أساسية في أي مواجهة مقبلة، وفقًا لـ"تايمز أوف إسرائيل".
وبحسب ضابط في القيادة الجوية، فقد تمّ رفع عدد الطواقم الجوية والوسائل التقنية بنسبة تصل إلى "ضعفين ونصف"، وهو ما يتيح تنفيذ عمليات نقل وإنزال في عمق الجبهة اللبنانية خلال وقت قياسي.
في المقابل، يرى مراقبون، أن هذه الاستعدادات تحمل أيضًا طابعًا نفسيًا ورسالة ردع موجهة إلى حزب الله وإيران على حد سواء، خصوصًا مع تصاعد الضغوط السياسية على حكومة نتنياهو بعد الحرب في غزة. فالتلويح بالجاهزية العسكرية قد يكون وسيلة لتثبيت صورة القوة أمام الرأي العام الإسرائيلي الذي بات يشكك في أداء المؤسسة الأمنية.
غير أن المعضلة التي تواجه تل أبيب تكمن في أن أي خطوة تصعيدية في الشمال قد تفتح الباب أمام حرب إقليمية أوسع، خاصة إذا قرر حزب الله الرد بقوة على أي ضربة إسرائيلية.
ويرى خبراء، أن استمرار سياسة "التحرش المحسوب" بين الجانبين قد يبقي الجبهة مشتعلة دون انفجار شامل، لكن الخطأ التكتيكي الصغير كفيل بإشعال مواجهة لا يمكن السيطرة على نهايتها.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه القيادات العسكرية عن "التحضير للحرب القادمة"، يبقى السؤال الحقيقي، "هل تسعى إسرائيل إلى منع الحرب أم إلى تهيئة نفسها لخوضها بشروطها؟"، وفي الإجابة على هذا السؤال، يكمن جوهر التحركات الإسرائيلية الأخيرة. فكل تدريباتها، وكل تحديثاتها التكنولوجية، وكل إعادة انتشارها على الحدود الشمالية، تصب في هدف واحد، ألا تُفاجأ كما فُوجئت في غزة.

العرب مباشر
الكلمات