من رماد غزة إلى خزائن واشنطن.. كيف صنعت الحرب ثروات عمالقة السلاح الأميركيين؟
من رماد غزة إلى خزائن واشنطن.. كيف صنعت الحرب ثروات عمالقة السلاح الأميركيين؟
في الوقت الذي غرق فيه قطاع غزة تحت الركام والدخان، كانت مصانع الأسلحة الأميركية تشتعل بالإنتاج، تملأ عقود المليارات وتنعش شركات كانت على وشك الإغلاق، فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، تحولت الولايات المتحدة إلى المورد الأول والأكبر للعتاد الإسرائيلي، في جسر تسليحي لم يعرف له مثيل منذ عقود، وبينما تندد منظمات دولية بمستوى الدمار الإنساني، ازدهرت بورصات شركات الدفاع الأميركية مدفوعة بصفقات طائرات مقاتلة، وصواريخ موجهة، ودبابات متطورة، وفي خضم هذا المشهد المتناقض بين الموت والربح، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، عن شبكة مصالح معقدة تربط واشنطن بتل أبيب، حيث أصبحت الحرب محركًا اقتصاديًا جديدًا في صناعة السلاح، وساحة ذهبية للمقاولين الكبار من "بوينغ" إلى "نورثروب غرومان".
صفقات عسكرية قياسية
منذ اللحظة الأولى لهجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، والذي شكّل الشرارة التي أطلقت أوسع حرب تشهدها غزة منذ عقود، كانت شركات السلاح الأميركية تتحسس طريقها إلى أكبر طفرة مبيعات منذ حرب العراق.
فوفقًا لتحليل نشرته وول ستريت جورنال، تجاوزت قيمة الصفقات العسكرية التي وافقت عليها واشنطن لتل أبيب 32 مليار دولار في أقل من عامين — رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ العلاقة العسكرية بين البلدين.
الولايات المتحدة، التي تمنح إسرائيل دعمًا عسكريًا سنويًا ثابتًا بقيمة 3.3 مليارات دولار، ضاعفت هذا الرقم إلى أكثر من 6.8 مليارات خلال العام الماضي وحده، فضلًا عن مليارات إضافية في شكل معدات وصيانة وتكنولوجيا.
ومع استمرار الحرب، بدا أن واشنطن لا تكتفي بالدور السياسي التقليدي لحماية إسرائيل، بل تحولت فعليًا إلى الشريك التجاري الأول في صراع يعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط وربما يعيد صياغة ميزان الاقتصاد العسكري الأميركي ذاته.
شركات أمريكية ربحت مليارات
في مقدمة المستفيدين جاءت شركة بوينغ، التي وقّعت صفقات عملاقة بقيمة تفوق 18.8 مليار دولار لتزويد إسرائيل بمقاتلات F-15 مطوّرة، إلى جانب حزم إضافية من القنابل الموجهة والمعدات المرتبطة بالطائرات بقيمة 7.9 مليارات.
هذه العقود وحدها كفيلة بإعادة تنشيط قطاعات كانت تعاني اضطرابات في الإنتاج وسلاسل الإمداد، وفي الوقت الذي خفّضت فيه الشركة إنتاج الطائرات المدنية بسبب الركود، فتحت حرب غزة لها بابًا جديدًا لتعويض خسائرها وتحسين صورتها في سوق الدفاع العالمي.
أما شركة نورثروب غرومان، فقد حصدت عقودًا لتزويد القوات الإسرائيلية بقطع غيار للطائرات وأنظمة اتصالات عسكرية متطورة، فيما كانت لوكهيد مارتن المورد الرئيسي للصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة.
أما جنرال ديناميكس، فاستفادت من الطلب المتزايد على القذائف التي تستخدمها دبابات "ميركافا"، في حين دخلت كاتربيلر بخطها الثقيل من الجرافات المدرعة التي أصبحت رمزًا للقوة التدميرية في شوارع غزة.
جوًا وبرًا
ورغم أن الطائرات والقنابل الموجهة شكلت عماد الصفقات الكبرى، فإن قطاع المركبات البرية لم يكن بعيدًا عن المشهد، فقد أعادت شركة أوشكوش الأميركية تشغيل خط إنتاجها للمركبات التكتيكية بعد أن كان مهددًا بالإغلاق، تلبية لطلب إسرائيلي متزايد على العربات المصفحة من طراز "إيتان"، المزودة بمحركات "رولز رويس" الأميركية الصنع، وهكذا، لم تكن الحرب بالنسبة لهذه الشركات مجرد عقد تجاري عابر، بل فرصة لإنعاش قطاعات صناعية كانت تعاني الركود أو البطالة.
وفي تقريرها المالي الأخير، وصفت بوينغ مبيعاتها الدفاعية بأنها "نقطة مضيئة نادرة" وسط تحديات اقتصادية متتالية، وأشارت إلى أن "الطلب الحكومي المتزايد على التكنولوجيا الدفاعية" بات المحرك الأساسي لانتعاش الشركة.
ورغم الانتقادات الموجهة إلى واشنطن بشأن استمرار تدفق السلاح إلى منطقة مشتعلة، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تُبد أي تردد في دعم هذه الصفقات، معتبرة أن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" يتطلب تسليحًا لا حدود له.
ويقول محللون اقتصاديون: إن الحرب في غزة تحولت فعليًا إلى رئة مالية لشركات الدفاع الأميركية، التي وجدت في الأزمة فرصة لتوسيع نفوذها العالمي بعد تباطؤ الطلب الأوروبي والأفريقي، كما أن استمرار الحرب، وعدم وجود أفق سياسي واضح لإنهائها، يعني استمرار تدفق العقود الجديدة، ليس فقط لإسرائيل، بل لدول أخرى في المنطقة تسعى لتعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة "احتمالات التصعيد الإقليمي".
لكن خلف هذه الأرقام البراقة، يبرز وجه أكثر قتامة، فكل صفقة سلاح تترجم على الأرض إلى مزيد من الدمار في القطاع الفلسطيني المحاصر، ومزيد من المعاناة الإنسانية التي وثّقتها منظمات الإغاثة الدولية بالأرقام والصور، وبينما تتكدس الأرباح في بورصات نيويورك، تتكدس الجثث في غزة.

العرب مباشر
الكلمات