غزة تحت النار ومصر ترسم خطوطًا حمراء.. هجوم إسرائيلي واسع يهدد بانفجار إقليمي

غزة تحت النار ومصر ترسم خطوطًا حمراء.. هجوم إسرائيلي واسع يهدد بانفجار إقليمي

غزة تحت النار ومصر ترسم خطوطًا حمراء.. هجوم إسرائيلي واسع يهدد بانفجار إقليمي
حرب غزة

تدخل غزة مرحلة هي الأكثر دموية منذ اندلاع الحرب، إذ تتصاعد الهجمات الإسرائيلية بوتيرة غير مسبوقة، وتتحول أحياء المدينة إلى أطلال تحت القصف الجوي والمدفعي الكثيف.

في الساعات الأخيرة وحدها، سقط عشرات القتلى بينهم نساء وأطفال، فيما أعلنت تل أبيب توسيع عملياتها البرية داخل المدينة، متعهدة بحسم المعركة مع حماس "حتى النهاية"، وبينما تتحدث إسرائيل عن فتح ممرات إنسانية مؤقتة، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن مئات الآلاف من السكان يفرون سيرًا على الأقدام بحثًا عن ملاذ آمن، دون أن يجدوا مكانًا يقيهم القصف.

 المشهد لا يقتصر على غزة وحدها، فمصر دخلت على خط التحذيرات العلنية، راسمة خطوطًا حمراء لأمنها القومي، وسط مخاوف من امتداد التصعيد إلى حدودها الشرقية وانزلاق المنطقة نحو فوضى شاملة، العالم يراقب بصمت، لكن القاهرة تطالب بتحرك دولي عاجل قبل أن تتحول غزة إلى كارثة إنسانية مفتوحة.

لا مكانًا آمنًا


تشهد غزة واحدة من أعنف جولات التصعيد منذ بدء الحرب، مع توسيع الجيش الإسرائيلي نطاق عملياته البرية والقصف الجوي المكثف على مختلف أحياء المدينة.

 وأكدت مصادر طبية في القطاع، مقتل 33 فلسطينيًا منذ فجر الأربعاء، بينهم عائلات كاملة قضت تحت ركام منازلها في خان يونس والنصيرات وتل الهوى.

 فيما أعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس، أن إجمالي القتلى منذ الثلاثاء بلغ 108 أشخاص، معظمهم من المدنيين، بينهم نساء وأطفال.

الجيش الإسرائيلي أعلن عن قصف أكثر من 150 هدفًا في مدينة غزة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، مشيرًا أن العملية البرية تهدف إلى تطهير المدينة من مقاتلي حماس وتدمير بنيتها العسكرية.

 وفي خطوة مثيرة للجدل، أعلنت تل أبيب فتح ممر آمن مؤقت عبر شارع صلاح الدين للسماح بخروج السكان إلى جنوب القطاع لمدة 48 ساعة.

غير أن كثيرًا من سكان غزة رفضوا مغادرة منازلهم، مؤكدين أن "لا مكان آمنًا" في القطاع، حيث طالت الغارات مناطق يفترض أنها آمنة في خان يونس ورفح.

المشهد الإنساني يتدهور بسرعة، الأمم المتحدة حذرت من أن القطاع يواجه كارثة غير مسبوقة، مشيرة أن أكثر من 350 ألف شخص غادروا مدينة غزة خلال الأيام الماضية، سيرًا على الأقدام أو باستخدام عربات وجرارات زراعية، وسط نقص حاد في المياه والغذاء والدواء.

وتفاقمت الأزمة بعد إعلان المنظمة الدولية رسميًا حالة المجاعة في غزة أواخر أغسطس، ما يجعل استمرار العمليات العسكرية تهديداً مباشراً لحياة مئات الآلاف من المدنيين.

حرب نفسية


ورغم حالة التأهب العسكري المصري في سيناء، تشير تحليلات صحف إسرائيلية، أن تل أبيب والقاهرة حريصتان على عدم المساس بجوهر التنسيق الأمني القائم منذ عقود. 

فالعلاقات بين البلدين – رغم ما يصفه البعض بـ"برودة السلام" وغياب التضامن الشعبي – باتت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، خصوصًا في ضوء التحديات الأمنية المشتركة. 

صحيفة معاريف أوضحت -في تقرير لها-، أن انتقادات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمصر تأتي في سياق سياسي داخلي موجه للرأي العام الإسرائيلي، في محاولة لنفي المزاعم التي تتحدث عن خرق القاهرة لاتفاقية السلام أو تغييرها للمعادلة الأمنية، فيما تؤكد التقارير أن تحركات الجيش المصري تهدف أساسًا إلى منع أي نزوح جماعي من غزة باتجاه سيناء.

كما لفتت إلى أن تطور القدرات العسكرية المصرية، بما في ذلك شراء غواصات ألمانية وأنظمة تسليح متقدمة، يتم تحت أعين واشنطن وتنسيقها المباشر مع تل أبيب، ما يجعل أي تغييرات على الأرض خاضعة لرقابة دقيقة.

من جهته، الخبير في الشؤون الاستراتيجية، محمد مخلوف، أن ما تنشره الصحافة الإسرائيلية مؤخرًا حول تنسيق استراتيجي مزعوم بين القاهرة وتل أبيب ليس سوى جزء من حرب نفسية ممنهجة تهدف إلى التشكيك في الموقف المصري وإرباك الرأي العام العربي. 

ويؤكد مخلوف -في تصريح لـ"العرب مباشر"-، أن التحركات العسكرية المصرية في سيناء تأتي ضمن حق سيادي مطلق لحماية الأمن القومي المصري، ولا تخضع لأي موافقة أو تنسيق خارجي، مشددًا على أن اتفاقية كامب ديفيد لا تقيد مصر من اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية حدودها في ظل التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة.

ويضيف مخلوف، أن القاهرة لا تتعاون أمنيًا أو استخباراتيًا مع إسرائيل، وأن ما يُروّج عن صفقات غاز أو تفاهمات عسكرية مجرد محاولات لإظهار العلاقات وكأنها طبيعية رغم التصعيد الأخير، ويلفت إلى أن وصف الرئيس السيسي لإسرائيل بـ"العدو" يمثل تحولًا جوهريًا في الخطاب الرسمي المصري لا يمكن تجاهله، وهو ما تحاول تل أبيب التخفيف من أثره عبر حملات إعلامية مضللة.

ويؤكد مخلوف، أن مصر ستظل داعمًا أساسيًا للقضية الفلسطينية، ولن تقبل بأي سيناريو للتهجير القسري أو فرض وقائع جديدة على الأرض. 

ويختتم بالتشديد على أن محاولات الوقيعة بين مصر وأشقائها العرب محكوم عليها بالفشل، وأن القاهرة تتحرك وفق مصالحها الوطنية لا وفق أجندات مفروضة.

خطوط مصر الحمراء


على الصعيد السياسي، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن إسرائيل ماضية حتى النهاية في عمليتها العسكرية، وليست مستعدة للدخول في محادثات سلام حقيقية.

هذا الموقف يعكس قلقًا دوليًا متزايدًا من أن يؤدي استمرار الحرب إلى إشعال المنطقة برمتها، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لتل أبيب وتجديده دعم بلاده غير المشروط لإسرائيل، ما اعتبرته حماس ضوءًا أخضر لمزيد من التصعيد.

مصر بدورها دخلت على خط الأزمة بقوة، فقد عززت القاهرة انتشار قواتها في شمال سيناء تحسبًا لأي تطورات، مؤكدة أن أمنها القومي خط أحمر، حيث أكد مصدر عسكري مصري رفيع المستوى، أن أي مساس بالحدود أو تهجير قسري للفلسطينيين باتجاه سيناء سيُقابل برد حاسم، وفقًا لـ"رويترز".

وتأتي هذه التحركات وسط ضغوط دولية متزايدة على إسرائيل لوقف العمليات البرية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تبدو مصممة على المضي قدمًا، ملوحة بإمكانية استمرار الحملة لأسابيع أو حتى أشهر.

الجيش المصري يستعد


من جانبه، يرى اللواء محمد عبد الواحد، الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، أن ما يجري في غزة اليوم يمثل لحظة فارقة في معادلة الأمن الإقليمي، مشيرًا أن العملية البرية الإسرائيلية لا تستهدف فقط تفكيك بنية حماس العسكرية، بل تهدف كذلك إلى فرض واقع جغرافي وديمغرافي جديد في القطاع. 

ويؤكد عبد الواحد، في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن التحركات المصرية الأخيرة في شمال سيناء، بما في ذلك تعزيز انتشار القوات والدفاعات الجوية ونشر وحدات استطلاع متقدمة، تعكس جدية القاهرة في حماية حدودها من أي محاولات تهجير قسري للفلسطينيين أو تسلل جماعات مسلحة.

وأضاف عبد الواحد: أن الجيش المصري يمتلك خططًا متكاملة للتعامل مع أي سيناريو تصعيد، تبدأ من مراقبة الحدود على مدار الساعة مرورًا برفع حالة التأهب إلى الدرجة القصوى في النقاط الحساسة، وانتهاء بالجاهزية للتدخل العسكري إذا تطلب الأمر.

وحذر من أن استمرار العمليات الإسرائيلية دون سقف زمني واضح قد يدفع المنطقة إلى مواجهة أوسع، خاصة إذا اندفعت أطراف أخرى مثل حزب الله أو فصائل مسلحة في الضفة إلى فتح جبهات موازية.

وختم قائلاً: إن مصر ستواصل الضغط السياسي والدبلوماسي، لكنها مستعدة لاستخدام أدوات القوة الصلبة إذا ما اقترب الخطر من حدودها الشرقية.