الحرب من صنعاء والفاتورة في الحديدة.. ابتزاز حوثي يفاقم الغضب الشعبي
الحرب من صنعاء والفاتورة في الحديدة.. ابتزاز حوثي يفاقم الغضب الشعبي

في محافظة الحديدة، حيث الفقر يحاصر الأهالي وتتصاعد معاناتهم اليومية، وجد السكان أنفسهم أمام عبء جديد لم يكن في الحسبان، دفع تعويضات مالية لميليشيا الحوثي عن محطة كهرباء حزيز المدمرة في صنعاء، رغم أنهم لم يكونوا طرفًا في الحادثة ولم يستفيدوا من خدماتها.
هذا الإجراء أثار صدمة واسعة بين أبناء المحافظة الذين اعتادوا على دفع ثمن صراعات لا تعنيهم، إذ تُفرض عليهم الجبايات والضرائب المتكررة لتغطية تكاليف حرب تُدار من صنعاء، بينما يفتقرون لأبسط الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وطرق، ومع كل قرار جديد، يتجدد الإحساس بالظلم والتهميش، ما يفتح الباب أمام غضب شعبي قد يتجاوز حدود الاستياء الصامت إلى تحركات قبلية أو اجتماعية تهدد بخلخلة معادلة السيطرة الحوثية على الساحل الغربي.
أعباء بلا نهاية
لم يعد أبناء الحديدة قادرين على استيعاب حجم الأعباء المفروضة عليهم من قبل سلطات الحوثيين، فبعد سنوات من الجبايات تحت مسميات متعددة، من "المجهود الحربي" إلى "الزكاة الإلزامية"، جاء الدور اليوم على تحميلهم تكلفة محطة كهرباء حزيز في صنعاء، التي دُمرت خلال المواجهات الأخيرة.
يقول التاجر اليمني أبو وائل السهيلي لـ"العرب مباشر": لم نستفد من كهرباء صنعاء يومًا، ومع ذلك يطلب منا دفع ملايين الريالات، اضطررت إلى بيع نصف بضاعتي حتى لا أتعرض للمساءلة، مضيفًا أن كثيرًا من التجار يفكرون في إغلاق محلاتهم لتفادي الإفلاس.
من جانبه، أكد مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته، أن هذه المحطة لم تكن تخدم الحديدة، إلا أن الحوثيين ألزموا وجهاء القبائل والتجار في المحافظة بدفع مبالغ مالية ضخمة، بدعوى "إعادة البناء والتعويض".
وأضاف -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن الصدمة لدى السكان لم تكن فقط في حجم المبالغ المطلوبة، بل في رمزية القرار ذاته، الذي يعكس بوضوح النمط المتكرر، المركز يستفيد بينما تتحمل الأطراف الخسائر، موضحًا، أن متوسط المبلغ المفروض على بعض التجار الصغار يصل إلى 500 ألف ريال يمني، بينما يُلزم وجهاء قبائل بدفع مبالغ أكبر قد تصل إلى 5 ملايين ريال.
أرقام صادمة
في الحديدة، الواقع الإنساني بات على شفا كارثة، لا سيما بين شرائح الأطفال والنساء الحوامل، ففي المناطق الساحلية، بلغت نسبة سوء التغذية الحاد جدًا 33% نسبة تقع ضمن "المرحلة الحمراء الخطيرة" حسب تصنيف اليونيسف.
ومنذ عام 2023، قفز عدد الأطفال دون الخامسة الذين يعانون سوء التغذية الحاد بنسبة 34%، ليصل إلى نحو 600,000 طفل، منهم 120,000 في حالة حرجة، وخصوصًا في المناطق المنخفضة جنوبي الحديدة مثل الحيس والخوخة، وفقًا لـ"رويترز".
أما ميناء الحديدة، فيعتبر شريانًا حيويًا لواردات البلاد، تصل عبره نحو 70% من واردات اليمن الغذائية، كما أن بين مليوني طن واردات الحديدة نصفها تقريبًا من القمح والدقيق، الأوضاع تتفاقم بتأثير النزوح والأوبئة، حيث نزح قرابة 500,000 شخص من الحديدة بين يونيو وأغسطس، مع استمرار تسجيل حالات يُشتبه في كونها كوليرا تجاوزت 9,245 حالة مشتبه بها، بحسب "رويترز".
المجتمع الدولي مسؤول أيضًا
من جانبه، يقول قال د. إبراهيم طلحة، المحلل السياسي اليمني: لا شك أن حجم الخسائر التي تكبدتها الحديدة كبير للغاية، ويقدر بمليارات الريالات اليمنية، خاصة فيما يتعلق بالميناء الذي يمثل الشريان الاقتصادي الأهم للمدينة واليمن عمومًا، إضافة إلى البنية التحتية الأساسية مثل الكهرباء والمياه والخدمات الصحية، التي تعرضت لدمار واسع وإهمال متعمد خلال السنوات الماضية".
وأضاف طلحة -في تصريح خاص لـ"العرب مباشر"-، أن هذه الخسائر لا يمكن تحميلها على الحوثيين وحدهم، رغم مسؤوليتهم المباشرة عن تقييد حركة الميناء وفرض الجبايات ونهب الإيرادات، إذ يتحمل المجتمع الدولي أيضًا جزءًا من المسؤولية، لأنه لم يلتزم بتنفيذ اتفاقية ستوكهولم التي كان من شأنها تخفيف حدة الأزمة في المحافظة وضمان وصول عوائد الميناء لدفع رواتب الموظفين وتحسين الخدمات.
وأشار طلحة، أن حالة الغليان الشعبي في الحديدة آخذة في التنامي، سواء على شكل احتجاجات صامتة أو تململ اجتماعي قبلي، وهو ما يطرح مؤشرات مهمة على أن سلطة الحوثيين قد تواجه تحديات متزايدة في إدارة المدينة خلال الفترة المقبلة، وخلص إلى القول: إن أي تسوية سياسية قادمة في اليمن لن تكون مستقرة ما لم تُؤخذ الحديدة في الاعتبار باعتبارها مركزًا استراتيجيًا وساحة اختبار حقيقية لجدية الأطراف المحلية والدولية على حد سواء.
وعود بلا رصيد
في المقابل، قد يحاول الحوثيون احتواء الأزمة عبر تقديم وعود بتعويضات أو مشاريع رمزية لامتصاص الغضب، لكن التجارب السابقة تثبت أن مثل هذه الوعود غالبًا ما تكون بلا رصيد، ما يزيد من فقدان الثقة الشعبية.