تنظيم الإخوان الليبي وإعادة التموضع
أعاد تنظيم الإخوان في ليبيا تموضع نفسه لتنفيذ أجندات الجماعة
في ليبيا أعلن تنظيم «جماعة الإخوان - الفرع الليبي»، وفي اعتراف منه بأنه فرع من الجماعة الأم والتنظيم العالمي، تحوله إلى «جمعية توعوية»، في تكرار لمشهدية التلون والتغير البيئي لمقاومة الظروف المحيطة، كما يفعل بعض أنواع البكتيريا والجراثيم عندما يواجه خطر الانقراض، من دون التخلي عن حقيقة أنها ميكروبات ضارة.
«جماعة الإخوان - الفرع الليبي»، أعلنت في بيان لها حل نفسها وتحوُلَها إلى جمعية! وأطلقت على نفسها «الإحياء والتجديد»: «نعلن لكل الليبيين أن الجماعة قد انتقلت بتوفيق الله وعونه إلى جمعية تحمل اسم (الإحياء والتجديد)؛ إحياءً بالدعوة إلى التمسك بمنهج الإسلام الوسطي وتعاليمه»، مشيرة إلى أن هذا التطور جاء عقب مؤتمري الجماعة العاشر والحادي عشر، وبعد جولات من الحوار، رغم أن الاسم الجديد (الإحياء والتجديد) موجود أصلاً ويعمل منذ سنتين، مما يفضح ويكشف عن أن الجماعة لا تحسن حتى الكذب الذي تمارسه منذ نحو مائة عام.
التجارب مع تنظيم «الجماعة»، تجعلنا نتلقى الخبر بحذر شديد جداً، خصوصاً أنَّ الجماعة وأعضاءها تكررت منهم حالات التلون والتبدل والنكوص في حالات كثيرة، ولهذا، في نظر أغلب المراقبين، فإنَّ هذا الإعلان ليس سوى تكتيك لجماعة وتنظيم ارتبط بالتقية والتضليل ونكث العهود والمراوغة.
الدارس والمطلع على تنظيم «الجماعة»، والقوانين المنظمة له، سيكون في دهشة أمام هذا الإعلان؛ لأن النظام الداخلي لتنظيم «الجماعة» العالمي وحالة الارتباط فيه تنظمها بيعة معقودة بالولاء، ويعدّ الخروج عنها «ردة» يباح بها دم صاحبها، فكيف لنا أن نصدق إعلان تنظيم وجماعة انفكاكها عن التنظيم الدولي، وهي إلى الأمس القريب تنكر أي علاقة لها بالتنظيم الدولي الذي تعلن اليوم فك الارتباط به، كما جاء في تصريحات أحد قياداتها بالقول: «الجماعة بهذه الخطوة أصبحت لا تتبع أي جهة خارج ليبيا، ولا تتبع جماعة الإخوان المسلمين عالمياً؛ وإنما صارت جمعية تعمل داخل الوطن فقط»... وهم الوجوه نفسها التي كانت تنكر أي علاقة لها بالتنظيم الدولي.
السؤال الصعب: ما مصير البيعة للمرشد؟ وهل سيصبح شخصية رمزية لا أوامر أو تعليمات تصدر عنها من مكتب الإرشاد، والتي ارتبطت به لأكثر من مائة عام من عمر تنظيم «الجماعة» ومرشده حسن الساعاتي؟
بيان «الفرع الليبي» من تنظيم «الجماعة» الدولي، شدَّد على أن الجماعة «تعرضت للشيطنة والتشويه والتزوير»، في حين أن قياداتها كانوا ولا يزالون يجاهرون بدعم الجماعات المتطرفة؛ وهذا موثق بلسان قيادات بارزة للجماعة، مروراً أيضاً بالمجاهرة بدعم المقاتلين المتمردين على الجيش في بنغازي ودرنة، خصوصاً جماعات «مجالس شورى المجاهدين» التي هي جماعات مرتبطة عقدياً بتنظيم «القاعدة» وكانت تلقى الدعم المالي والسياسي من قيادات «جماعة الإخوان - الفرع الليبي».
هل مجرد إعلان بيان إعادة تموضع وتشكيل كيان باسم جديد، كفيل بإقناع الناس كافة، والليبيين خاصة، بأنَّ تنظيم «الجماعة» قد تغير وتبدل فعلاً، وخلع ثوب الكهانة وسوف يتوقف عن العنف منهجاً وسلوكاً في التعاطي مع خصومه، ويسلك الطريق والنهج الديمقراطي كأي كيان سياسي يطمح إلى السلطة، أم إنه مجرد تكتيك، وهذا الأرجح والأقرب للحقيقة؛ لأن هذا التنظيم مارس الكذب ثم الكذب ثم الكذب؟
إعلان تنظيم «الجماعة - الفرع الليبي»، كان موجهاً لليبيين خاصة، وجاء نتيجة متوقعة بعد حالة الفشل وافتضاح أمر هذ التنظيم ممثلاً في جماعته وحزبه، وخسارتها آخر انتخابات ليبية انقلبت عليها، وتمترست خلف السلاح بعد خسارتها الفادحة لها، فتنظيم «الجماعة» يؤمن بنتائج الديمقراطية الانتخابية فقط إذا كانت النتائج في صالحه... عدا ذلك؛ ينقلب عليها.
القراءة الأولى في بيان تنظيم «الجماعة - الفرع الليبي»، الصادر بتاريخ الأحد 2 مايو (أيار) 2021، لن تختلف عن القراءات السابقة لبيانات التوبة والمراجعات التي سبق للتنظيم القيام بها في 2006، وتحت إشراف كبيرهم «القرضاوي»، ومع ذلك نكثوا العهد ورجعوا للعنف والقتال منذ 2011، وبالتالي شبع الليبيون من بيانات هذا التنظيم وجماعته، وهم ينتظرون أفعالاً حقيقية، وليس مراوغات وبيانات فضفاضة أصبح من يصدقها مشكوكاً في قواه العقلية، لكثرة تكرار التنكر لها من تنظيم «الجماعة» نفسها، والشواهد كثيرة، والأيام بيننا، وستكشف عن زيف ما يقولون.
نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط