المصرف المركزي الليبي بين الخلافات السياسية وتحديات الإصلاح المالي

المصرف المركزي الليبي بين الخلافات السياسية وتحديات الإصلاح المالي

المصرف المركزي الليبي بين الخلافات السياسية وتحديات الإصلاح المالي
المصرف المركزي الليبي

لم تمضِ سوى أيام قليلة على تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي، حتى اشتعلت أزمة جديدة بين الأطراف الليبية. هذا الخلاف الجديد يتركز حول سياسات بيع العملات الأجنبية وإلغاء القرارات السابقة، ما يهدد بعودة التوترات الاقتصادية والسياسية في البلاد.

*قرارات أشعلت الأزمة*


بعد فترة من التفاؤل بقرار تعيين المحافظ الجديد لمصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، عادت الخلافات بين الأطراف الليبية إلى الواجهة، كانت الخطوة الأولى للمحافظ الجديد هي إلغاء كافة القرارات الصادرة عن سلفه، والتي بلغ عددها نحو 70 قرارًا، وهو ما لاقى قبولًا عامًا.

لكن ما أشعل الأزمة مجددًا هو قرار مجلس إدارة المصرف بفتح خدمة توفير العملات الأجنبية للأغراض الشخصية للأفراد، ما أثار خلافًا واسعًا بين الأطراف المتنافسة في البلاد.

بدأت الأزمة مع قرار مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي السماح بتوفير العملات الأجنبية للأفراد للأغراض الشخصية. رغم أن هذا القرار جاء في إطار تحسين الخدمات المالية وتلبية احتياجات المواطنين، إلا أنه أثار جدلًا واسعًا.

يرى البعض أن هذا القرار قد يؤدي إلى ارتفاع الضغوط على العملة المحلية وزيادة التضخم، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة التي تعيشها البلاد.

وكان الليبيون قد استبشروا بتعيين المحافظ الجديد بعد مفاوضات طويلة رعتها بعثة الأمم المتحدة، لكن هذا القرار الأخير فتح بابًا جديدًا للخلافات بين مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية.

*الخلاف حول الضريبة*


تركز الخلاف الجديد بين الأطراف الليبية على الضريبة المفروضة على سعر الصرف الرسمي للعملات الأجنبية. 


أصدر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قرارًا بتخفيض الضريبة من 27% إلى 20%، بهدف تخفيف العبء عن المواطنين الذين يعانون من الأزمة الاقتصادية وتذبذب أسعار العملات في السوق الموازية.

في المقابل، طالب رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، بإلغاء الضريبة المفروضة على بيع الدولار بشكل كامل، مؤكدًا أن استمرار فرض الضريبة يؤثر سلبًا على معيشة المواطنين بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

*اختبار حقيقي*


يمثل هذا الخلاف اختبارًا حقيقيًا لمجلس الإدارة الجديد لمصرف ليبيا المركزي، خاصة وأن المصرف يتبع قانونيًا لمجلس النواب، لكن ضغوط حكومة الدبيبة تضعه في موقف حرج أمام الرأي العام.

 الدبيبة، الذي يسعى للظهور كمدافع عن حقوق المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم، ألقى باللوم على مجلس النواب، بينما تشير تقارير هيئة الرقابة الإدارية إلى أن حكومة الدبيبة أنفقت مليارات الدولارات دون تحقيق تحسن ملموس في حياة المواطنين.

*حجم الإنفاق*


في تقريرها السنوي، أعلنت هيئة الرقابة الإدارية عن أن إجمالي الإنفاق العام في ليبيا منذ عام 2012 حتى عام 2023 بلغ أكثر من 722 مليار دينار.

وتوضح الأرقام أن حكومة الدبيبة وحدها أنفقت 84 مليار دينار خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ما يزيد من الضغوط على حكومة الوحدة الوطنية لتبرير هذا الإنفاق الضخم وسط تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

*المباحثات حول المصرف*


الولايات المتحدة، التي تلعب دورًا مهمًا في دعم استقرار المصرف المركزي، استضافت مؤخرًا رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، لإجراء مباحثات حول تعزيز النزاهة التكنوقراطية لمصرف ليبيا المركزي. هذا الدعم يأتي في إطار مساعي واشنطن لدفع الأطراف الليبية للتوصل إلى حلول سياسية واقتصادية تضمن استقرار البلاد وإعادة العملية الانتخابية التي توقفت منذ 2014.

المبعوث الأمريكي إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، شدد على ضرورة تعاون جميع الأطراف الليبية لإحياء العملية السياسية المؤدية إلى الانتخابات، مؤكدًا أن استقرار المصرف المركزي هو جزء أساسي من تحقيق هذا الهدف.

*مصالح متشابكة*


من جانبه، يقول المحلل السياسي الليبي، الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، إن أزمة مصرف ليبيا المركزي تأتي في سياق الصراعات السياسية العميقة بين الأطراف الليبية المتنازعة، وتحديدًا بين مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية.

وأضاف امطيريد في حديثه لـ"العرب مباشر"، القرار الأخير بفتح خدمة توفير العملات الأجنبية للأفراد يعكس محاولات المحافظ الجديد لإحداث تغييرات جذرية، ولكنها تصطدم بمصالح متشابكة. 

وتابع، المحلل السياسي الليبي، يرى البعض أن هذه التحركات قد تؤدي إلى زيادة الضغط على العملة المحلية، مما سيؤثر سلبًا على الاستقرار الاقتصادي الهش في البلاد.

هذا التصعيد بين الأطراف المتنازعة حول السياسات المالية يعكس في العمق أزمة الشرعية والصلاحيات بين المؤسسات الحاكمة في ليبيا، حيث يسعى كل طرف لفرض سيطرته على المصرف المركزي بوصفه مفتاحًا للتحكم في السياسة النقدية والاقتصادية. 

وأشار امطيريد، إلى أن هذا النزاع ليس فقط اقتصاديًا بل هو سياسي بامتياز، ويشكل تهديدًا على الاستقرار السياسي والأمني العام في ليبيا.

من جانبه، أكد  الخبير الاقتصادي الليبي خالد بوزعكوك، أن القرارات التي اتخذها المحافظ الجديد لمصرف ليبيا المركزي بفتح باب بيع العملات الأجنبية للأفراد تثير العديد من التساؤلات حول مدى تأثيرها على الاقتصاد الليبي الذي يعاني من تضخم كبير ونقص في الاستثمارات.

وأضاف بوزعكوك - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، السماح للأفراد بالحصول على العملات الأجنبية للأغراض الشخصية قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار في السوق، وبالتالي المزيد من الضغوط على الدينار الليبي المتراجع.

وتابع، هذا القرار في ظل غياب سياسات مالية واقتصادية واضحة، وبدون وجود رقابة صارمة، قد يعمق الانقسام بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازية، مما يزيد من معاناة المواطن الليبي ويضعف الثقة في الاقتصاد الوطني.


 الحل الأمثل هو العمل على إعادة هيكلة السياسة النقدية بالتعاون مع المؤسسات الدولية لضمان استقرار الدينار، وتحفيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل.