معاناة أهالي الجنوب الليبي.. هل سيصمدون أمام "كورونا"؟
جاء تفشي فيروس كورونا في العالم ليزيد الوضع في ليبيا تعقيدًا ويضاعف المعاناة لكل مواطن ليبي، الذي أصبح يعيش معاناة حقيقية في ظل قطاع صحي متهالك نتيجة سنوات من الصراعات والانقسامات وغياب الاستقرار في الدولة وعدم قدرتها على مواجهة التحديات، أما في الجنوب الليبي فتتضاعف الأزمة وسط حالة من الإهمال التي تعاني منها المنطقة منذ عدة سنوات في ظل انشغال مؤسسات الدولة الأمنية والخدمية من جهة وانتشار الميليشيات المسلحة والعصابات من جهة أخرى، الخبراء حذروا أن تفشي الوباء في ليبيا سيكون سببًا في مأساة غير مسبوقة بسبب تداعي النظام الصحي في البلاد، أهل الجنوب اتهموا السلطات الليبية بنسيانهم خاصة مع الإجراءات الاحترازية في شرق وغرب ليبيا وإعلان حظر التجوال وتوفير مراكز إيواء، إلا أن الجنوب دائمًا ما يسقط سهوًا من الحسابات.
المجلس الأعلى لقبائل "فزان": احفروا قبوركم أنتم خارج تغطية حكوماتكم
شعور بالغضب يعصف بأهالي الجنوب الليبي لشعورهم بتجاهل الدولة لمصيرهم، عبَّر عنه رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان الليبية الشيخ علي أبو سبيحة حيث انتقد تهميش الجنوب الليبي ووجَّه رسالة إلى أهل الجنوب قائلًا": يا أهل فزان الزموا بيوتكم أو احفروا قبوركم ليس لكم خيار آخر.. أنتم خارج تغطية حكوماتكم"، متهمًا السلطات الليبية بنسيان الجنوب تمامًا، موضحًا أن الحكومة في الغرب جهزت خمسة مراكز إيواء وسعت للمزيد، ليس من بينهم مركز واحد للجنوب وحتى جهاز التحليل الخاص بالجنوب تم تحويله إلى جهة أخرى، مضيفًا، وكذلك الحكومة في الشرق جهزت غرف الرعاية المركزة وبدأت حملات لتعقيم الشوارع كوسيلة وقائية في ظل جاهزية الوسائل العلاجية لديهم إلى حد ما.
واتهم أبو سبيحة حكومة الوفاق بتجاهل الجنوب، حيث خصصت نصف مليار دينار لمحاربة الوباء وإعلان حالة الطوارئ والتعبئة لمواجهة تفشي الفيروس فيما استثنت الجنوب الليبي من إجراءاتها، وكان رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان الليبية، تحدث في وقت سابق عن حادثة الاستيلاء على جهاز للكشف عن فيروس كورونا ثم تخصيصه للجنوب.
نداء دولي بتعليق العمليات العسكرية.. والالتفات لمحاربة كورونا
يعيش أهل الجنوب حالة من الرعب بسبب ضعف الإمكانات، وفي الوقت نفسه تمثل الحدود البرية المفتوحة مع عدة دول إفريقية كارثة مرتقبة، حيث تعبر منها قوافل الهجرة غير الشرعية، بما تحمله من احتمالات كبرى لتسلل فيروس كورونا المستجد، فالجنوب الليبي أكثر مناطق ليبيا تأثرًا بالفوضى الأمنية والسياسية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، خاصة بعد تهميشها سياسيًّا فأصبحت النزاعات الأهلية ونقص الخدمات والبنية التحتية وانهيار المؤسسات أمرًا واقعًا.
ووجَّهت الخارجية الأميركية دعوة للأطراف المتحاربة في ليبيا بتعليق العمليات العسكرية ورفض التدخل الأجنبي وتمكين السلطات الصحية من مكافحة وباء كورونا تجنبًا لكوارث غير مسبوقة تهدد وجود الدولة الليبية بالكامل.
وكانت الأمم المتحدة وتسع دول دعت في وقت سابق أطراف النزاع في ليبيا إلى وقف الأعمال العدائية من أجل تمكين الأجهزة الطبية المحلية من الاستجابة سريعاً، وإعلان وقف فوري وإنساني للقتال.
وأعلنت الصين انضمامها إلى النداء الدولي والعربي لجميع أطراف النزاع في ليبيا لإعلان الوقف الإنساني الفوري للقتال، وكذلك وقف نقل جميع المعدات العسكرية والأفراد العسكريين إلى ليبيا من أجل تمكين سلطات الصحة العامة من الاستجابة لوباء "كوفيد-19"، وتأتي هذه الدعوات بهدف توحيد الجهود في ليبيا لمواجهة خطر الفيروس الذي بات يثير الرعب عالميًّا.
ورحَّب الجيش الليبي بالدعوة الصادرة بخصوص وقف القتال لأغراض إنسانية للاستجابة لوباء كورونا، وقال بيان الجيش الوطني الليبي "القيادة العامة أكثر الأطراف التزاما بوقف القتال، رغم الخروق المتكررة وعدم الالتزام بها من قبل الميليشيات والمرتزقة الذين لا يحترمون المعاهدات والمواثيق الدولية.
أهالي الجنوب: ليس لدينا وسائل للكشف فما بالكم بالعلاج
يقول، طارق المعتصم، 41 عامًا من فزان، لا أعرف لمن ننتمي، هل نحن ليبيون حقًّا، لا يهتم بنا أحد ونواجه فيروس كورونا وحدنا، الجميع يقول لم تظهر حالات في ليبيا، وكيف ستظهر حالات في ظل غياب الأطباء والمستشفيات وأجهزة الكشف والتحليل، من يموت منا خلال الأيام الماضية يتم دفنه دون إجراء التحاليل اللازمة، ومن يشعر بارتفاع درجة حرارته أو ظهور أعراض مرضية يلجأ إلى الوصفات الشعبية وعلاج الإنفلونزا العادية، فلا نملك إمكانات للكشف فما بالكم بالعلاج من المرض.
وتابع: الجميع هنا حائرون فلا نعرف من يجب أن نناشده، في جميع دول العالم مشغولة بأحوالها الداخلية ومحاربة الوباء الذي لم يترك دولة إلا وأصابها، فهل نناشد الأمم المتحدة أن ينقذنا أحد وحكوماتنا نفسها لا تنظر لنا.
لا أحد يصدق أن الفيروس غير موجود في ليبيا.. والأوضاع كارثية في الجنوب
وفي السياق ذاته، يقول صالح مفتاح، 30 عامًا، لا يوجد أحد في ليبيا يصدق أن الفيروس غير موجود، حدودنا مفتوحة والميليشيات الإرهابية والطائرات التركية التي تحمل المرتزقة لم تكن تتوقف، فهل من المعقول أن المئات لم يكن فيهم من يحمل الفيروس ونقله إلى الداخل الليبي، مضيفًا نرى الفيروس نجح في التسلل إلى بلاد على أعلى درجة من الجاهزية والاستعداد وتضع حراسة على كامل حدودها ولديها أفضل وأحدث الأجهزة في مطاراتها، الأمر كله يتلخص في انهيار منظومتنا الصحية فنحاول تصبير أنفسنا بأن الفيروس غير موجود حتى لا يموت الناس فزعًا.
وأضاف: الفيروس انتشر عن يميننا ويسارنا في مصر وتونس وإفريقيا وكل مكان، فهل تتوقعون ألا يكون انتشر في ليبيا، للأسف نحن ندفع الآن ثمن سنوات طويلة من الصراعات، التي تسببت في انهيار المنظومة الصحية بشكل تام، القطاع الصحي في ليبيا لن يستطيع مواجهة الفيروس وتحجيمه، وإذا كان هذا الحال في كل بقاع ليبيا، فالجنوب تحديدًا يعيش أوضاعًا كارثية، وإذا لم يتم مد يد المساعدة له سيواجه كارثة محققة تفوق ما سمعنا عنه في الصين وإيران وإيطاليا مجتمعين.