"صلاح ديمرتاش".. شوكة في حلق "أردوغان"
طوال أعوام سيطرته على البلاد، تفاقم أعداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما سارع لإقصائهم بشتى السبل، أولها اعتقالهم وتلفيق التهم، حيث بات أشهرهم، "صلاح الدين ديمرتاش".
لقاء على العشاء
يعتبر صلاح الدين ديمرتاش من أشهر السياسيين الأتراك المعتقلين، وأبرز أعداء أردوغان، حيث أحدث ضجة كبيرة مؤخرًا، بدعوته من محبسه بتعزيز العلاقات الإنسانية بين قادة المعارضة من أجل تبديد الشكوك والاصطفاف لهزيمة مشروع الرئيس رجب طيب أردوغان الاستبدادي.
ودعا "ديمرتاش" في تصريحات أدلى بها المعارض والقيادي الكردي، من محبسه، إلى دعوة على الإفطار قد تكون كفيلة بتقوية قوى المعارضة في تركيا، مضيفًا: "أنا مثلا لو كنت خارج السجن، لطرقت باب ميرال هانم، زعيمة حزب الخير (المعارض)، ذات صباح مع زوجتي باشاك، وأقول جئنا لتناول الإفطار".
وحذر القيادي الكردي السياسيين في البلاد من الاستقطاب، مطالبًا إياهم بالتعاون والتكاتف ضد نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، قائلاً "نحن سياسيون مسؤولون عن حل مشكلة كل من الأتراك والأكراد المنكوبين معًا وجعل التعايش ممكنًا. لكن أولاً نحن بشر، ثم سياسيون. يجب ألا تستبعد هويتنا السياسية إنسانيتنا. عندما نتخطى هذا، يبدأ الاستقطاب، وتوجه الاتهامات المتبادلة، وتغلق أبواب الحوار، وتُستنفد السياسة. لكن السياسة موجودة لتوليد الحلول".
التعذيب
وفي سياق آخر، كشف ديمرتاش عن رفض السلطات التركية السماح له بلقاء ابنتيه، قائلًا "هناك مأساة إنسانية كاملة في كل السجون. في حين أن هناك مشاكل خطيرة للغاية من الموت إلى التعذيب، من العزلة إلى المشاكل الصحية، وليس من الصواب أن أجعل قضية عدم قدرتي على رؤية ابنتي بالشيء الخطير. لكن زوجتي وبناتي وكافة عائلتي هم من أقارب الأسرى يحق لهم التعبير عن هذه الممارسات التمييزية".
تحالف سياسي لهزيمة ديكتاتورية أردوغان
كما كشف القيادي الكردي عن رؤيته الخاصة لـ"نموذج تحالف" بين الأحزاب السياسية في تركيا ضد حزب العدالة والتنمية، مؤكدا أن الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، وتحقيق استقلالية القضاء، واعتماد الكفاءة في التعيين بالمناصب العامة، من ضمن المبادئ الأساسية التي تضمنتها رؤيته بخصوص التحالف بين الأحزاب السياسية.
ويرى أن "هذه الرؤية ستكون لها أهمية كبيرة لتأسيس مستقبل تركيا، وليس فقط للوقوف ضد نظام أردوغان"، مؤكدًا أن من بين أهداف هذه الرؤية "تهيئة المناخ اللازم لوجود جمهورية ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي".
من هو "ديمرتاش"؟
ولد "دمرتاش" في 10 إبريل 1973، وعُرف بمهارته في إلقاء الخطب وشخصيته اللبقة القوية، ودرس في كلية الحقوق لجامعة أنقرة، ثم أسس مكتب ديار بكر القانوني، قبل أن يتجه للسياسة في 2007، بانضمامه لحزب المجتمع الديمقراطي اليساري الكردي.
يعرف "ديمرتاش" بلقب "أوباما الأكراد"، حيث تم اعتقال المحامي الحقوقي في نوفمبر 2016 ، في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل، ووجه إليه مع أعضاء آخرين من حزبه تهمة الارتباط بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أميركا وتركيا وأوروبا كـ"جماعة إرهابية"، فيما نفى ديمرتاش ذلك الأمر.
انطلق المحامي الحقوقي فيما بعد داخل الحياة السياسية بمشاركته في تشكيل حزب الشعوب الديمقراطي الذي قاده لدخول البرلمان لأول مرة في انتخابات يونيو 2015، ليصبح حاليًا ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، ويوسع قاعدته الشعبية ويدافع عن كافة الفئات المهمشة في تركيا تحت وطأة حكم أردوغان.
لم يقف طموح ديمرتاش عند ذلك الحد فقط، بل ترشح أيضًا في الانتخابات الرئاسية بتركيا لمرتين، آخرهما عام ٢٠١٨ أمام أردوغان، ولكن تم تعليق طلبه لاحقًا لكونه معتقلاً، ورشح نفسه مسبقًا أيضًا في انتخابات الرئاسة 2014، لكنه حل في المركز الثالث، لذلك يعتبره أردوغان عدوه اللدود وسرعان ما ألقي القبض عليه لينهي تلك الأزمة.
مواقف سياسية
ويواجه الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي حكمًا بالسجن 142 عامًا في المحاكمة المستمرة ضده، وذلك حال ثبوت صلته بمسلحين أكراد .
وفي نوفمبر ٢٠١٨، طالبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تركيا بإطلاق سراحه، مؤكدة أنه اعتقل بناء على اشتباه منطقي في ارتكابه جريمة، إلا أن مبررات استمرار اعتقاله غير كافية، وتكبح حرية النقاش السياسي، وهو ما رفضه أردوغان بشدة حينها.
العام الماضي، ورغم كونه معتقلاً، إلا أنه تم اختيار الزعيم الكردي المعارض صلاح الدين دمرتاش كمرشح لجائزة نوبل للسلام، حيث كرّس دمرتاش حياته للنضال من أجل السلام بين الأكراد والأتراك في تركيا، والمطالبة بحقوق الأقليات وحقوق المرأة، وإعطاء الديمقراطية دورًا حيويًا في تركيا.
كما ناهض السلطوية والصراع الطائفي حيث كان نظام العدالة غائبًا، وكذلك طالب بحقوق الإنسان الأساسية في حرية التعبير، وأن يعيش شعب تركيا في سلام لبناء مجتمع مستقر دائمًا، وكان يناضل بشجاعة في عمله من أجل حل سلمي للمسألة الكردية، وعلى الرغم من أنه خلف القضبان، إلا أنه يذكرنا بأن الصراع من أجل السلام هو أكثر أهمية من الأزمات الحالية.