جنين تحت النار.. الأهداف الحقيقية وراء العملية الإسرائيلية

جنين تحت النار.. الأهداف الحقيقية وراء العملية الإسرائيلية

جنين تحت النار.. الأهداف الحقيقية وراء العملية الإسرائيلية
حرب غزة

تشهد الضفة الغربية تصعيدًا عسكريًا جديدًا بعد إعلان إسرائيل عن إطلاق عملية "السور الحديدي" في جنين، وهي خطوة تعكس تحولات كبرى في استراتيجياتها الأمنية.


العملية، التي تتسم بالقصف الجوي والتوغل البري لقوات خاصة، أثارت تساؤلات حول أهدافها الحقيقية: هل تسعى إسرائيل إلى استهداف الفصائل الفلسطينية المسلحة فقط، أم أن هناك نوايا أعمق لإعادة تشكيل قواعد الصراع في الضفة؟ يأتي هذا التحرك في وقت حساس عقب هدنة غزة، حيث تسعى تل أبيب إلى فرض واقع جديد يعزز أمنها الإقليمي ويضع حدًا لتمدد النفوذ الإيراني. ومع ازدياد الضغوط الدولية، تزداد الشكوك حول تداعيات هذه العملية على مستقبل المنطقة.

السور الحديدي


في أعقاب هدنة غزة، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق تحت اسم "السور الحديدي" في مدينة جنين شمال الضفة الغربية. تهدف العملية، بحسب القيادة الإسرائيلية، إلى القضاء على الأنشطة العسكرية للفصائل الفلسطينية المسلحة، لكنها تحمل أبعادًا أعمق تتجاوز الحدود التقليدية للصراع.

أهداف تكتيكية وسياسية


تستند العملية إلى استراتيجية أمنية تهدف إلى تقويض النفوذ المتزايد للفصائل المسلحة في الضفة الغربية، وهي منطقة لطالما كانت ساحة صراع سياسي وعسكري.


ووفق تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الهدف الرئيسي يتمثل في "منع أي تهديد محتمل"، مع التشديد على عدم تكرار ما وصفه بـ"كارثة السابع من أكتوبر"، وفقًا لصحيفة "يديعوت أحرونوت".


يشير المراقبون أن إسرائيل تسعى من خلال "السور الحديدي" إلى تغيير المعادلة الأمنية، حيث تحولت الضفة الغربية من منطقة كانت تُعتبر نسبيًا أقل تهديدًا إلى بؤرة توتر تستوجب التحرك العسكري.


ويبدو أن المخاوف الإسرائيلية تتعلق أيضًا بتمدد النفوذ الإيراني عبر دعم الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهو ما جعل تل أبيب تعيد ترتيب أولوياتها الأمنية لتشمل الضفة بعد غزة ولبنان وسوريا، وفقًا لـ"هاآرتس".

تطورات ميدانية


تتسم العملية في جنين باستخدام تكتيكات هجومية مكثفة، بما في ذلك الغارات الجوية والتوغل البري بواسطة قوات خاصة.


وأفادت مصادر فلسطينية بسقوط ضحايا خلال المواجهات المستمرة في مخيم جنين، مع تدمير عدد من البنى التحتية.


وتزامنًا مع ذلك، أعلنت إسرائيل أنها استهدفت مواقع تُستخدم كمراكز قيادة وتحكم للفصائل المسلحة.


لكن هذه العمليات العسكرية أثارت تساؤلات حول النوايا الإسرائيلية بعيدة المدى. فهل تسعى إسرائيل إلى مجرد كبح جماح الفصائل المسلحة أم أنها تستعد لعملية أوسع تهدف إلى تغيير الخارطة السياسية والأمنية في الضفة الغربية؟ 


ضغوط دولية وتحديات محلية


رغم التصعيد الإسرائيلي، تواجه العملية في جنين انتقادات دولية متزايدة. إذ أعربت منظمات حقوقية ودول كبرى عن قلقها إزاء تدهور الوضع الإنساني في المنطقة.


لكن إسرائيل تبدو مصممة على المضي قدمًا، حيث تؤكد قيادتها السياسية، أن "الأمن الإسرائيلي يتطلب حزمًا وشدة".


على الصعيد المحلي، تعكس العملية تحديًا جديدًا للسلطة الفلسطينية التي تواجه ضغوطًا هائلة من شعبها لإيجاد موقف واضح من التصعيد الإسرائيلي.


كما تعيد هذه الأحداث تسليط الضوء على تعقيدات المشهد السياسي الفلسطيني، حيث تزداد الانقسامات بين الفصائل المختلفة؛ ما يجعل التنسيق في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أكثر صعوبة.


أبعاد استراتيجية


تُظهر العملية أن إسرائيل تتجه نحو إعادة صياغة قواعد اللعبة في الضفة الغربية. فإلى جانب استهداف البنية التحتية للفصائل المسلحة، تهدف "السور الحديدي" إلى إرسال رسالة واضحة لإيران وحلفائها بأن تل أبيب لن تتسامح مع أي تهديد أمني، سواء كان مصدره غزة أو الضفة أو مناطق أخرى.


مع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر كبيرة، إذ قد تؤدي إلى تصعيد طويل الأمد يزيد من تعقيد الوضع الأمني والسياسي في المنطقة. ومن المتوقع أن تتفاقم التوترات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية مع استمرار العمليات العسكرية، ما يجعل المستقبل مفتوحًا على كافة الاحتمالات.


من جانبه، يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية: ما نشهده في جنين ليس مجرد عملية أمنية تقليدية، بل هو تحول في العقيدة العسكرية الإسرائيلية.


وأضاف المنجي - في حديثه لـ"العرب مباشر"-، منذ أحداث غزة الأخيرة، تتعامل إسرائيل مع الضفة الغربية كجزء من جبهة متعددة الأطراف تواجه فيها تهديدات مباشرة وغير مباشرة من إيران وحلفائها.


وتابع: التوغل في جنين ليس فقط لملاحقة خلايا مسلحة، بل يهدف إلى إرسال رسالة ردع إلى الداخل الفلسطيني والخارج الإقليمي، خصوصًا مع استمرار تعاظم النفوذ الإيراني في المناطق الحدودية، مضيفًا أن العملية قد تكون جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد لإضعاف قدرة الفصائل الفلسطينية على التنسيق مع إيران أو حزب الله،مشيرًا أن التصعيد في الضفة الغربية يأتي ضمن مساعٍ إسرائيلية لفرض واقع جديد يقلل من قدرة تلك الفصائل على المناورة.

وأشار المنجي أن هذا النهج يحمل مخاطر كبيرة، إذ إن الضغط العسكري المفرط قد يدفع إلى اندلاع موجة تصعيد أوسع تشمل مناطق أخرى؛ مما يعقد الأوضاع الأمنية لإسرائيل بدلاً من تحسينها.
بينما تبدو "السور الحديدي" عملية تهدف إلى تحقيق مكاسب أمنية، إلا إنها تعكس أيضًا تحركًا سياسيًا أوسع يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين.