سيناريوهات التصعيد تتسارع.. جنوب لبنان يشتعل وإسرائيل تكثّف غاراتها وحزب الله يرد بالصمت
سيناريوهات التصعيد تتسارع.. جنوب لبنان يشتعل وإسرائيل تكثّف غاراتها وحزب الله يرد بالصمت
تتجه الأنظار مجددًا إلى الحدود اللبنانية– الإسرائيلية، حيث عادت رائحة الحرب لتتصاعد في سماء الجنوب، ثلاث غارات إسرائيلية خلال ساعات، خلفت ثلاثة قتلى مدنيين، بينهم شقيقان من بلدة شبعا، لتعيد إلى الأذهان مشهد التصعيد الذي يهدد بنسف الهدوء الهش القائم منذ عامين، وبينما برّرت إسرائيل الهجمات بأنها استهدفت "عناصر إرهابية" تابعة لحزب الله، دان الاتحاد الأوروبي القصف، محذرًا من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، وفي حين تصرّ تل أبيب على مواصلة عملياتها تحت شعار "إزالة التهديدات"، يلوّح حزب الله بالرد، لكنه يحرص في الوقت ذاته على تجنّب الانجرار إلى مواجهة شاملة.
تصعيد إسرائيلي
تتواصل فصول التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان وسط غموض يلفّ النوايا الإسرائيلية وحسابات حزب الله، في مشهدٍ يُنذر بعودة المنطقة إلى أجواء حرب محدودة أو مواجهة إقليمية أكبر.
فقد أعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل ثلاثة مدنيين في سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت بلدات شبعا وبرعشيت وبنت جبيل، حيث أصابت إحدى الطائرات المسيرة سيارة مدنية كانت تمر على طريق يربط الجنوب بالبقاع؛ ما أدى إلى احتراقها بالكامل ومقتل شقيقين كانا بداخلها.
كما استهدفت غارة أخرى منزلاً في برعشيت، أدت إلى مقتل شخص ثالث وإصابة أربعة، فيما أصيب سبعة مدنيين قرب مستشفى بنت جبيل نتيجة قصف مماثل.
إسرائيل توسع بنك أهدافها
وبررت إسرائيل هجماتها بأنها "ضربات وقائية" استهدفت عناصر من "السرايا اللبنانية" يعملون بإشراف حزب الله، وقالت إنها أحبطت "محاولة تهريب وسائل قتالية"، مؤكدة استمرار عملياتها "حتى إزالة أي تهديد على الحدود الشمالية". لكن هذه التبريرات لم تُقنع المجتمع الدولي، إذ أدان الاتحاد الأوروبي القصف ودعا تل أبيب إلى الالتزام بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه قبل عامين بوساطة أميركية – أممية.
المناطق المستهدفة تقع خارج نطاق القصف المعتاد منذ عام 2023، ما يشير إلى أن إسرائيل بصدد توسيع بنك أهدافها في الجنوب، وهو ما يقرأه المراقبون كرسالة مزدوجة: ردع ميداني ضد حزب الله، وضغط سياسي على الحكومة اللبنانية الضعيفة التي تجد نفسها بين مطرقة التهديدات الإسرائيلية وسندان معادلات الداخل.
حرب استنزاف
يقول المحلل السياسي اللبناني مصطفى علوش: إن ما يحدث "ليس تصعيدًا معزولًا، بل استمرار لحرب استنزاف تمارسها إسرائيل بشكل شبه يومي منذ أكثر من عام"، مضيفًا أن "الإنذارات الأخيرة ليست سوى جزء من حرب نفسية تهدف إلى إخضاع الحكومة اللبنانية وإرباك الجبهة الداخلية".
ويؤكد علوش في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن تل أبيب تسعى إلى "تهيئة المسرح السياسي والإعلامي لتصعيد جديد"، مشيرًا إلى أن "الضغط الميداني يقابله تحرك دبلوماسي موازٍ في العواصم الغربية لدفع لبنان نحو ترتيبات أمنية جديدة في الجنوب".
لكن علوش يحذر من أن "أي محاولة لجرّ الجيش اللبناني إلى مواجهة مع حزب الله ستكون كارثية"، إذ من شأنها "تفجير وحدة الجيش وفتح الباب أمام حرب أهلية مصغّرة"، ويضيف: "العدوان الإسرائيلي مهما بلغ من شراسة، يظلّ أقل ضررًا من انفجار داخلي جديد يهدد كيان الدولة".
في المقابل، يرى محللون آخرون، أن حزب الله، رغم استهدافه المباشر، يفضّل إدارة الردود بحدود محسوبة، فالحزب، وفق مصادر قريبة منه، يدرك أن أي ردّ واسع النطاق قد يمنح إسرائيل ذريعة لحرب شاملة في توقيت غير ملائم له أو لحلفائه الإقليميين. لذلك، يعمد إلى استخدام تكتيكات محدودة كإطلاق صواريخ قصيرة المدى أو طائرات مسيّرة استطلاعية، كجزء من "ردعٍ رمزي" دون فتح جبهة مفتوحة.
ويشير مراقبون إلى أن الحزب يوازن اليوم بين ضغط القواعد الشعبية التي تطالبه بالردّ، وبين حسابات سياسية تتعلق بالمفاوضات غير المعلنة حول ترسيم الحدود البرية والملف الحكومي في بيروت، كما لا يمكن فصل التصعيد عن التوتر الإقليمي المتصاعد بين طهران وتل أبيب بعد تبادل الضربات غير المباشرة في الأشهر الأخيرة، ما يجعل الجنوب اللبناني ساحة محتملة لتصفية حسابات أوسع.
في هذا السياق، يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية، في بيروت: إن "إسرائيل تريد من خلال هذه الغارات اختبار مدى التزام حزب الله بقواعد الاشتباك القديمة".
مشيرًا في تصريحات لـ"العرب مباشر"، إلى أن "توسيع العمليات الجوية نحو العمق اللبناني هو رسالة مفادها أن تل أبيب لم تعد تكتفي بضرب الحدود، وأنها مستعدة لتوسيع المواجهة إذا اقتضى الأمر".
أما الحكومة اللبنانية، فتبدو في موقع المتفرج العاجز، فبين ضغوط غربية تدعو إلى ضبط حزب الله، وغضب داخلي متصاعد من الخسائر البشرية، يجد رئيس الوزراء نفسه محاصرًا بأزمة سياسية واقتصادية متشابكة تمنعه من اتخاذ أي موقف حاسم.

العرب مباشر
الكلمات